الصفوي:"أنّ مملوكك أَيْتَمِشُ الخاصكي اتفق مع مماليك الأسياد، وبطا الأشرفي أَنهم في هَذِهِ الساعة يُريدُوا قتلك"، فسكت برقوق ساعة، ثُم في أثناء ذلك دخل أَيْتَمِشُ الخاصكي فقام إليه بَرقُوق وأخذ بيده قوس كباد كانَ إلى جانبه، فَضَرَبَ به أيتمش ضربة واحدة أرمَاهُ على الأرض، فلمَا وَقَعَ قَالَ لَهُ بَرِقُوق:"يَا مخنث من يُريد قتل المملوك يقع مِنْ ضربةٍ واحدة"، ثُم قبض عليه، ثم قام وخرج إلى الأسطبل، وجلس في المقعد المطل على الرملة، وطلب بطا الخاصكي فقبض عليه، ثُم طلب سائر الأمرَاء مِنَ الأكابر والأصاغر، فلما طلعوا إليه فشكى لهم مَنْ مماليك الأسياد، وأخبرهُم بِمَا وَقَعَ لَهُ، فعند ذلك أشاروا عليه بمسكهم، فقبض في ذلك اليوم على خمسة وستين مملوكًا من مماليك الأسياد، فأرسلهم إلى خزانة شمايل.
وَأما أيتمش وبطا الأشرفي فَرَسم بنفيهما إلى الشام، ثُم نفى من مماليك الأَسياد جماعة إلى قوص، وَهُمْ ثلاثة وأربعون مملوكًا من شرار مماليك الأسياد.
فلما كان يوم الأربعاء تاسع عشر شهر رمضان من سنة أربع وثمانين وسبعمائة طلب الأتابكي برقوق الخليفة المتوكل على الله والقضاة الأربعة وسائر الأمراء، فاجتمعوا بالأسطبل السلطاني، فتكلم كاتب السر بدر الدين ابن فضل الله العمري، في المجلس وذكر:"أن الأحوال قد فسدت والبلاد قدْ خُربت، وَأنْ العُربان قد زادوا في الفسادِ، وَأن أكثر النواب خامرُوا، وَخرجوا عن الطاعة، وأن أمور المملكة غير مستقيمة، وأن الوقت مُحتاج إلى إقامة سلطان كبير لدفع العدو، وسكون الاضطراب"، فتكلم القضاة مع الخليفة في ذلك، ثُم وقع الاختيار على سلطنة الأتابكي برقوق، فعند ذلك خلعوا الملك الصالح أمير حاج بن الأشرف شعبان من السلطنة، وأخذُوا منه النمجاة وَالتُرس، وَأَحضرُوهُمَا إلى عند الأتابكي بَرقُوق وَدَخلَ الملك الصالح إلى دور الحرم عند أخوته.
فكانت مُدّة سلطنته بالديار المصريّة سنة وسبعة أشهر.
واستمر مُقيمًا في دور الحرم إلى أنْ عَادَ إلى السلطنة ثاني مرّة، كما سيأتي ذكر ذلك في موضعهِ، وَهوَ آخرُ من تولى من ذرية بني قلاون، وبه قد أنقضت دولة بني قلاون كأنها لم تكن بعد أن أقامت المملكة فيهم مائة سنة وثلاث سنين، فَسُبحَانَ منْ لا يزول ملكه.