للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثلاثمائة قصبة، وعرضه عشر أقصاب، وجعل بظاهر الجسر خوازيق سنط، طول كل خازوق نحو ثمانية أذرع، وأمر عليهم أفلاق خشب نخل، وجعلهم ستارة على الجسر، وانتهى العمل منه في نحو شهرين، ثم حفر في وسط البحر خليج من الروضة إلى الزريبة، وكان ابتداء ذلك في ربيع الأول سنة أربع وثمانين وسبعمائة، وفي ذلك يقول الأديب عيسى بن حجاج العالية:

جسر الخليلي المقر لقد رسا … كالطود وسط النيل كيف يُريدُ

فإذا سألتم عنهما قلنا لكم … ذا ثابت دهرا وذاك يزيد (١)

وفيه يقول شهاب الدين ابن العطار المصري:

راعي الخليلي قلب الماء فحين طغى … بنى على قلبه جسرا وحيَّره

رأى ترمّل أرضيه وحدتها … والنيل قد خَافَ يَعْشَاهَا فَجَسَّرَهُ (٢)

ثم إنّ النيل زَادَ في تلك السنة زيادة لم يقع مثلها في الجاهلية ولا الإسلام، وذلك أنهُ زَادَ أصبعين من إحدى وعشرين ذراعًا، فأكل ذلك الجسر كله، وَرَاح الذي عمله الخليلي في البطالِ، وَفِيهِ يَقُولُ ابن العطار أيضًا:

أثنان يا بحرنا من … إحدى وعشرين عُمنا

فأنظر بفضلك فيما … جرى وإلا غرقنا (٣)

وفيها: جرد السلطان الأمراء إلى نحو بلاد الصعيد (٤)، بسبب فساد العربان، فخرج إليهم خمسة أمرَاء مُقدّمين ألوف، وجماعة من الأمراء الطبلخاناة والعشراوات، فلما سمعوا العربان بذلك هربوا من يومهم، فكبسوا منهم الأمراء نحو ثلاثة آلاف رأس غنم براقي، ونحو ستة آلاف رأس ماعز، فأَخَذُوهُم الأمراء ورجعوا إلى نحو القاهرة، وأما العُربان فتوجهوا إلى نحو برقًا خائبين.

ومن الحوادث في هذه السنة: أن في يوم الثلاثاء وقت الظهر كان المقر الأتابكي برقوق نائمًا وعنده شخص من الخاصكيّة يُكبّسهُ يُسمى شيخ الصفوي، فلمَا أَرَادَ بَرقُوق أنْ يستغرق في النوم، فمسك شيخ الصفوي جنب الأتابكي برقوق وَكَبَّسه قوى فقعد على حيله، وقَالَ: "إيش الخبر"، فقال له شيخ


(١) بحر الكامل.
(٢) بحر البسيط.
(٣) بحر المجتث؛ لم يرد في بدائع الزهور.
(٤) الخبر في السلوك ٣/ ٢/ ٤٧٠ وبدائع الزهور ١/ ٢/ ٣٠٥: "عربان البحيرة"، وليس بلاد الصعيد.

<<  <   >  >>