للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

العسكر إلى بعد المغرب عدّة وجوه، فأنكسر طشتمر وهرب إلى نحو الباب المحروق، فاختفى في تُربة هناك، وَأَرسلَ يَطلب الأمان مِنَ الْأَمْرَاءِ، فَأَرْسِلُوا إِليه بالأمان، فلما حضر بين يدى الأمراء قبضوا عليه وقيدوه، وأرسلوه إلى السجن بثغر الإسكندرية، وفي ذلك يَقُولُ شهاب الدين ابن العطار:

إن كان طشتمر طَغَى … وأتى لحرب يُسرع

وبغى سيُؤخذ عاجلا … ولكل باغ مصرَعُ (١)

قِيلَ: وَلمَا قُتل الملك الأشرف شعبان أقام في البئر أيامًا حتى ظهرت رائحته فطلعُوا بِهِ مِنَ البئر بعض التَّرابه فمرّ به بعض خُدَامِه فعرفه بإمارة كانتْ فيهِ، فلما دخل الكيل أخذ ذلك الخادم جماعة من خُشدَاشينه ومعهم تَابُوت، فحملُوهُ فيه، وأحضروه إلى مدرسة والدته التي بالتبانة، فغسلُوهُ هُناك وكفنونهُ وَصَلُّوا عليه ودفنوه في القبة التي تجاه قُبة والدته، رحمة الله عليه (٢).

وَكَانَ الملك الأشرف شعبان من حسناتِ الزمان في العَدْلِ وَالحِلْمِ، وَكَانَ مِلكًا هينا لينا مُحبًا للعُلماء والفقراء مُنقَادًا إلى الشرع، وَكانَ مُحسنًا لأقاربه، وبني عمه وأخوته، وينعم عليهم بخلاف من تقدّمه من أقاربه، وكانت الدنيا في أيامه هَادِية من الفتن من التركمان والعُربان وغيرهم، وقد قَالَ مِنْ مَدَحه:

بالملك الأشرف المفدى … شعبان فزنا بكل فضل

من وطن الكون والرعايا … بطي ظلم ونشر عدل (٣)

وقيل فيه أيضًا:

للملك الأشرف السلطان سيّدنا … مناقب بعضها يبدو به العجب

له خلائق بيض لَا يُغيّرها … صرف الزمان كما لا يصدأ الذهب (٤)

وَكَانَ مَولده في سنة أربع وخمسين وسبعمائة، وتولى الملك ولهُ مِنَ العُمر عشر سنين (٥)، وَمَاتَ وَلهُ منَ العُمر أربع وعشرين سنة.


(١) بحر مجزوء الكامل؛ لم يرد البيتان في بدائع الزهور، في جواهر السلوك ٢٢٢.
(٢) في السلوك ٣/ ١/ ٢٨٢ والنجوم الزاهرة ١١/ ٧٦: أنه دفن بالقبة التي بها أمه، وذكر ابن إياس هنا وبدائع الزهور ١/ ٢/ ١٨٢: أنه دفن في قبة أخرى غير قبة أمه، وجاء في النجوم الزاهرة ١١/ ٥٩ هامش ١: "وبالبحث تبين لي أنه يوجد إلى اليوم تجاه المدرسة المذكورة بقايا قبة قديمة بجوار زاوية الهنود بشارع باب الوزير ومن المحتمل أنها هي القبة التي دفن فيها السلطان شعبان، كما ذكر ابن إياس".
(٣) بحر مخلع البسط.
(٤) بحر البسيط؛ البيتان لشهاب الدين أحمد بن العطار.
انظر: النجوم الزاهرة ١١/ ٨٣.
(٥) سبق وتم التعليق على عمر السلطان في ذكره.

<<  <   >  >>