للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثُم دخلت سنة خمس وأربعين وسبعمائة، فيها: أخذت الكرك، وَقُتلَ الناصر أحمد بن الناصر محمد بن قلاون، وقد صار [١/ ٥٩] أخوه الملك الصالح يُجرَّد إليهِ العساكر تجرِّيدَة بَعدَ تَجرِّيدَة، فلم يبق بالقاهرة أميرًا ولا جُنديًا حتى خرج إليه، وَحَاصره فلم يقدروا عليه.

وهو مع ذلك لا يكلّ ولا يمل من القتال، حتى نفد جميع ما كانَ في خزائنه من الأموال، حتى أنه ضرب ما بقي عنده من الذهب وخلط معه النحاس، ونفقه على عسكره، فكانَ الدِّينَار منهُ يُساوي خمسة دراهم.

وهلك من كان عنده في قلعة الكرك من الجوع والعطش والعُري، فلما تمادى عليه الأمر تفرَّق من كان حوله من عسكره، وظهر عليه الخذلان بعد أن أقام في المحاصرة نحو ثلاث سنين، ثم إنهُمْ مَسكُوهُ في يوم الإثنين ثاني عشرين صفر من سنة خمس وأربعين وسبعمائة (١) فعند ذلك أرسل إليه الملك الصالح الأمير منجك اليوسفي فقطع رأسه، وأحضرها بين يدي أخيه الملك الصالح.

وكان الناصر أحمد أشجع أخوته وأحسنهم شكلًا، ولكنه كان سيء التدبير في أموره، قليل المعرفة، الغالب عليه الجهل، فلم تُساعده الأقدار.

ثُم دخلت سنة ست وأربعين وسبعمائة، فيها: مرض السلطان الملك الصالح وَأَقَامَ مَرِيضًا نحو أربعين يومًا، ثم مَاتَ في يوم الخميس حادي عشرين ربيع الأول سنة ست وأربعين.

فكانت مدة سلطنته بالديار المصريّة ثلاث سنين وشهر ونصف.

وَكَانَ خيار أولاد الناصر محمد بن قلاون، وله برٌ ومعروف وآثارٌ، فمن ذلك أنه أوقف قرية من ضواحى القاهرة تُسمى بيسوس (٢) على كسوة الكعبة الشريفة؛ وكان يحبّ العدل في الرعيّة، وَسَاسَ الملك في هذه المدة أحسن سياسة، وَمَاتَ على فراشه بخلاف أخوته، وكانَ على مذهب بعض الخُلفاء يميل إلى الجوار المولدات والحُبش حتى السودان، وكان يحب من يمدح له في ذلك، فكان الشعراء يكثرُون له من مدح ذلك، فمن ذلك قول بعض الشعراء:


(١) في بدائع الزهور ١/ ١/ ٥٠٣: يوم الإثنين ٢٢ ذي الحجة ٧٤٥ هـ.
(٢) في جواهر السلوك ١٨٥: "يليسوس"؛ والصحيح بيسوس: وهي من القرى القديمة، وهي الأن تسمى باسوس من أعمال القليوبية. (القاموس الجغرافي، محمد رمزي، ١/ ٢/ ٥٥).

<<  <   >  >>