للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثم إنّ الناصر محمد كاتب نائب حلب، ونائب طرابلس، وَنَائب صفد، ونائب حماة، وهو يقولُ لهم: "لما أشتدَّ عَليّ الضنك خرجتُ من القاهرة، وتركت لهم الملك، ورضيتُ بأحقر المساكن، وأصغر الأماكن، ليستريح خاطري، فما بيرجعوا عني، وأرسلوا يطلبوا مني المال والخيل والمماليك الذي في خدمتي، وانتهى الحال إلى أن أغلظُوا عليّ في المُخاطبة، وأرسلوا يقُولُون لي لإن لم تنته عن مكاتبتك إلى الأمراء، وإلا جرى عليك مثل ما جرى على أولاد الملك الظاهر بيبرس، ونفيهم إلى القسطنطينية"، ثم قال لهم في رسالته: "وأنتم تعلمون ما لوالدي عليكم من العتق والتربية والاحسان، وما أظنكم ترضون لي بهذا الهوان العظيم، فأما أنكم تكفوا عني هؤلاء المتعصبين عليّ، وتكفوني هذا الأمر، وإلا فأنا التجئ إلى بلاد التتار، وهو خيرٌ لي من النفي إلى بلادِ الكُفَّارِ" (١).

ثم إن الملك الناصر أرسل هذهِ المُطالِعَات على يد شخص يُسمى تاج الدين أوْزَان، فلما وصلت هذهِ المُطالِعَات إلى النواب، فأخذتهم الحمية لابن أستاذهُمْ، فَأَرسَلُوا يُعرَّفُونَهُ أنهم طوع يده، ووفق مقصده، ومتى أَرَادَ الحركة بَادِرُوا نحوه.

فلما وردت هذه الأجوبة على الملك الناصر قصد الخروج من الكرك، فخرج منها، وسَارَ إلى البرج الأبيض (٢) من أعمال البلقاء، فأرسل الأمير جمال الدين أقوش الأفرم نائب الشام يُعرَّف الملك المظفر [٤٠/ ١] بيبرس بأن الأمراء والنواب قد فسدت بواطنهم، وتغيَّرت خواطرهم، وأن الملك الناصر قد تحرّك وخرج من الكرك، وهو قاصد للديار المصرية.

فلما وَقفَ المُظفر بيبرس عَلى مُطالعة نائب الشام، فعيّن للناصر تجريدة، وبها من الأمراء، الأمير سيف الدين بُلُرْغي (٣) صهره، والأمير عز الدين أيبك البغدادي، والأمير شمس الدين الدكز السلحدار، والأمير جمال الدين أقوش نائب الكرك (٤)، وعيّن معهم نحو أربعة آلاف (٥) مملوك، فنفق عليهمْ وَجَهَّزُوا


(١) جاءت الرسالة أكثر تفصيلًا عما ورد في بدائع الزهور (قارن: بدائع الزهور ١/ ٤٢٦ - ٤٢٧ وجواهر السلوك ١٦١).
(٢) هو مركز من مراكز الطريق البريدي بين غزة ودمشق. (صبح الأعشى ١٤/ ٣٨٠. والسلوك ٢/ ١/ ٥٩ هامش ١).
(٣) في بدائع الزهور ١/ ١/ ٤٢٧: "بلغار".
(٤) في بدائع الزهور ١/ ١/ ٤٢٧: "الذي كان نائب الكرك" وهذا هو الصحيح، حيث ورد ذكره أنه نائب الشام.
(٥) في بدائع الزهور ١/ ١/ ٤٢٧: "ألفي".

<<  <   >  >>