للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إن عجل النوروز قَبلَ الوَفا … عجّل للعالم صفع القفا

فقد كفى من دمعهم ما جرى … وَمَا جرى من نيلهم ما كفى (١)

ثُم إن العوام صَنَّفُوا كلامًا وَلحَنُّوهُ وَصَاروا يغنونهُ في أَمَاكِنِ المُفتَرَجَاتِ وغيرها، وهو هذا:

سُلطاننا ركين … ونائبُوا دقين

يجينا الما … من أين؟

هَاتُوا لنا الأعرج … يجي الما وَيَدحرج (٢)

وَكَانَ سلار النائب في ذقنه بعض شعرات في حنكه، لأنهُ كَانَ مِنَ التتار الخطاى، وكان الملك الناصر محمد بن قلاون به بعض عرج.

فلما فشي هذا الكلام بين الناس، فبلغ السلطان الملك المظفر بيبرس، فقبض على جماعة كثيرة من الأعوام، نحو ثلثمائة إنسان، فضرَبَ منهم جماعة بالمقارع، وقطع ألسن جماعة منهم، وأشهرَهُمْ في القاهرة.

ثُمَّ إِنَّ السلطان الملك المظفر بيبرس حَسنَ بباله أن يقبض على جماعةٍ مِنَ الأمراء والخاصكية، فقبض على نحو ثلثمائة إنسان، فعند ذلك نفرت منه القلوب، واختار كلّ أحدٍ عود الملك الناصر محمد، وصاروا جماعة من المماليك السلطانية يتسحبون تحت الليل، ويتركون بيوتهم وأولادهم وأموالهم، ويتوجهون إلى الكرك عند الملك الناصر محمد.

ثم إن الملك المظفر بيبرس أرسل إلى الملك الناصر محمد كتاب على يدي الأمير مغلطاي، والأمير قُطلوبغا، وَكانَ مضمون الكتاب يشتمل على تهديد ووعيد وإنكار وتشديد، فمنها: "إن لم تنته وترجع عن مكاتبتك للأمراء، وإلا جرى عليك كما جَرى عَلى أَوْلَادِ الملك الظاهر بيبرس البندقداري، ونفيهم إلى القسطنطينية".

فلما وصل إلى الملك الناصر وهو بالكرك، وقرأ ذلك الكتاب، اشتد غضبه عَلى مُغلطاي وَقُطلوبغا الذي أرسلهما إليه المظفر بيبرس، فقبض عليهما حين أغلظ عليه في القول، وأعتقلهما بعد أن ضربهما علقة قوية.


(١) بحر السريع.
(٢) من غناء عامي.

<<  <   >  >>