للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الصالح (١)، وهدمت جُدران الجامع العُمري الذي بمصر العتيقة، وتشققت من هذه الزلزلة الجبال وخرج الناس إلى الصحاري، وظنوا أنها القيامة؛ وكانتْ هذه الزلزلة متصلة إلى دمشق، والكرك، والشوبك، وصفد، وغالب البلاد الشامية.

وأقامت هذه الزلزلة تعاود الناس مُدّة عشرين يومًا وهلك فيها جماعة كثيرة تحت الردم، حتى قيل: أن شخصا كان يبيع اللبن، فسقطت عليه دار، فظنوا الناسُ أنه قدْ مَاتَ، فأقام ثلاثة أيام بلياليها وهو تحت الردم، فلما شالوا عنه الردم، فوجدوه على قيد الحياة، فأخرجُوهُ مِنْ تحت الردم سالما، لأنه تشبكت فوقه الأخشاب، فسلم بذلك، وقيل: كانت معه جرَّة فيها لبن، فوجدت كما هي سالمة وفيها اللبن.

وقيل: كانت هذه الزلزلة في الصيف فجاءَ عَقيبها لفحات سُمُوم تلقح حتى أغمى على الناس منها.

ثُم دخلت سنة ثلاث وسبعمائة، فيها خرج الأمير بيبرس الدوادار، لعمارة ما تهدم من الأبراج والأسوار بمدينة الإسكندرية، بسبب مَا حَصَلَ مِنَ الزلزلة؛ فكان عدة ما سقط من الأبراج سبعة عشر بُرجًا وستة وأربعون بدنة (٢).

ثُم إن جماعة من الأمراء التزموا بترميم ما تهدم من الجوامع بالديار المصرية، مما كان من أمر الزلزلة، فأنفقوا على ذلك من مالهمْ جُملة كبيرة.

وفي هذه السنة جاءت الأخبار بموت القان محمود غازَان، الذي جرى منهم ما تقدم ذكره، وَهوَ غَازَان بن أَرَغُون بن أبغا بن القان هلاكوا ملك التتار، وَقِيلَ: أَنهُ مَاتَ مَسمُومًا، سمّته زوجته بلغان شاه، وكان قصد غَازَانِ أنْ يزحف على البلاد الشامية ثانية، فكفى الله المؤمنين القتال (٣)، وقيلَ: أَنَّ زَوجتهُ بُلْغَانِ شاه سمته في منديل الفرش، وَكانَ مَوته بالقرب من همدان، وحمل إلى تبريز، فدفن بها، وفي ذلك يَقولُ علائي الدين الوداعي، شعرًا:


(١) هذا الجامع من المواضع التي عمرت في زمن الخلفاء الفاطميين، وهو خارج باب زويلة. (الخطط المقريزية ٤/ ٨٤).
(٢) في الأصل "بذنه".
(٣) يقصد هنا بالآية القرآنية ﴿وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ﴾ [الأحزاب: ٢٥]

<<  <   >  >>