للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثم دخلت سنة سبعمائة من الهجرة النبوية، فيها: جاءت الأخبار بأن التتار وَصلَ أَوَائلهُمْ إلى الفُراتِ، وَهُمْ خلائق لا تُحصى، فعند ذلك أحضر السلطان الأمراء وضربوا مشورة في أمر ذلك، وقرَّر السلطان برأي الأمراء على الأغنياء وأعيان التجار مال؛ بسبب كُلفة العسكر برسم التجريدة، وكان المتكلم على ذلك الأمير سنقر الأعسر الوزير، والأمير ناصر الدين ابن الشيخي والي القاهرة، فاستخرجوا في هذه الحركة نحو مائة ألف دينار (١).

ثم خرج السلطان وَصُحبته العساكر، فلما وصل إلى غزة، جاءت الأخبار بأن العساكر الحلبية توجهوا إلى التتار، وكسرُوهُم كسرة قويّة، وَرَجِعُوا إلى بلادهم، فلما بلغ السلطان ذلك رجع إلى الديار المصريّة، وسبب رُجوعهُ أَنَ العسكر تقلقوا من قلة (٢) التبن والشعير، ولما رجع السلطان من غزّة، أرسل من هناك تجريدة صُحبة الأمير بكتمر السلحدار، فأقاموا بالرُهَا لتطمئن الرّعيّة.

وفيها رسم السلطان لليهود والنصارى والسمّرة، بلبس عمائم مختلفة الألوان، فألبَسَ اليهود عمائم صفر، والبَسَ النصاري عمائم زُرق، وَالبَسَ السمر (٣) عمائم حُمر (٤)، وفي ذلك يقول شمس الدين الطيبي:

تعجبوا لِلنَّصَارَى وَالْيَهُود مَعًا … وَالسَّامريين لما عُمِمُوا الخُرقا

كَأَنَّمَا بَات بالأصباغ مُنسَهلًا … نِسرُ السَّمَاء فَأَصْحَى فَوْقَهُمْ دَرَقَا (٥)

ثم دخلت سنة إحدى وسبعمائة، فيها: في ليلة الجمعة ثامن عشر جمادى الأول توفي الخليفة الإمام أحمد الحاكم بأمر الله، وتولى ابنه المستكفي بالله أبي


(١) في بدائع الزهور ١/ ١/ ٤٠٩: "مائتي ألف دينار وكسور".
(٢) في الأصل "قلت".
(٣) السامرة أو السمرة طائفة من اليهود، وهم أتباع السامري الذي أخبر الله تعالى عنه بقوله: ﴿وأضلهم السامري﴾ انظر: صبح الاعشى ١٣/ ٢٧١. المواعظ والاعتبار ٤/ ٣٨٣.
(٤) جاءت على الهامش بخط المؤلّف (حاشية): قيل: كان سبب لبس أل الذمة هذه الألوان أن رجلًا مغربيًا من أهل العلم، كان جالسًا عَلى بَابِ قلعة الجبل، فدخل عليه بعض كتاب السلطان الملك الناصر محمد بن قلاون، فقام إليه ذلك المغربي، وَعَظمه وتوهَّم أنهُ مُسلم، ثم ظهر له بعد ذلك أن ذلك الرجل نصراني، فقام ذلك المغربي، ودخل إلى الملك الناصر محمد بن قلاون، وفاوضه في تغيير زي أهل الذمة ليقل عن الناس أذَاهُم، وتعرف المجرمون بسيمَاهُم، فأجابه السلطان إلى ذلك، ورسم لهم بلبس هذه الألوان، وكانوا جميع أهل الذمة يلبسون الميازر العسلية من قديم الزمان في الدول الماضيّة. (والخبر نقلا عن سكردان السلطان ١٧٩). (وانظر: أعيان العصر وأعوان النصر ٥/ ٨٤. الوافي بالوفيات ٤/ ٢٥٥. المواعظ والاعتبار ٤/ ٤١٩. بدائع الزهور ١/ ١/ ٤٠٨).
(٥) بحر البسيط.

<<  <   >  >>