للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يرى العواقب في أثناءِ فِكرَتِهِ … كأنَّ أفكاره بالغيب كهان

لا طرفة منه إلا تحتَهَا عَمَل … كالدهر لا دورَةٌ إِلَّا لَها شان (١)

ولم يزل قفجق موخرًا في دولة الملك المنصور قلاون مُدَّة حياته إلى أن مات المنصور قلاون، وتسلطن ولده خليل، ثم تسلطن لاجين فولى قفجق نيابة الشام، ثم إن المنصور لاجين قصد مسك قفجق فهرب إلى بلاد (٢) الشرق، وأثار هذه الفتنة العظيمة، وندب غَازَان إلى المجيء إلى بلاد الشام، وكان للملك المنصور قلاوُن معرفة تامة في علم الكتف.

قَالَ القاضي محيى الدين ابن فضل الله: "حكى لي الأمير قفجق بعد ما جرى، الذي جرى من غازان، قال: "لما تلاقينا نحن وأنتم - يعني عسكر السلطان وعسكر غازان - فلما كادَ غازان أن ينكسر وَهَّمَ بالهروب، فطلبني ليضرب عنقي، لأن مجيئه كان برأي، فلما حضرت بين يديه، فقال لي: "ما هذا الحال"، فقلتُ له: "أنا أخبر بعسكرنا فأنَ لَهُمْ حَملةٌ واحدة، فالقان يصبر ساعة فما يبقى قدامه أحد منهم"، فصبر ساعة فكان الأمر كما قلته، فلما انكسرتم، فأَرَادَ أنْ يزحف عليكم بمن معه من العساكر، فعلمتُ أنه متى ما زَحف عليكم لم يُبقي منكم أحدًا، فقلتُ له: "القان يصبر ساعة فأن عسكرنا لهم حيل كثيرة، ورُبمَا يَكُون لهم كمينٌ، فيخرج علينا، فتنكسر"، فوقف ساعة حتى أبعدتُمْ عَنَا، فلولا أنَا مَا سَلمَ منكم أحدٌ (٣). ومن هنا نرجع إلى أخبار الملك الناصر.

ثُم في هذه السنة وهي سنة تسع وتسعين وستمائة، فيها: اختلفتْ عُربان البحيرة اختلافًا فَاحِشًا، وهُمْ طائفتان جابر ومرديس، فعين [٣٤/ ١] لهم السلطان تجريدة عظيمة، وكان باش العساكر الأمير بيبرس الدوادار المنصوري أحد الأمراء المقدمين، وَصُحبتهُ عِشرينَ أميرًا طبلخاناه وعشراوات، فخرجوا على الفور، وجدوا في السير إلى أن وصلوا إلى تروجة، فوجدوهم قد تفرقوا، فتبِعُوهُم فأخذُوا مواشيهم من الجمال والأغنام، ثُم إنهم كتبوا لهم أمان، وأصلحوا بينهُمْ ثُم عاد الأمراء والعسكر إلى الأبواب الشريفة.


(١) بحر البسيط؛ البيتان لابن معرّف المنجم (انظر خريدة القصر وجريدة العصر ٢/ ٢٠٩).
(٢) في الأصل "بلا".
(٣) الخبر في سكردان السلطان ص ٧٩.

<<  <   >  >>