وقال ابن عابدين في حاشيته (٢/ ١٢٣): «وظاهره أنه كذلك لو وصل إليه في زمن يسير بكرامة، لكن استبعده في الفتح بانتفاء مظنة المشقة، وهي العلة في القصر». وليست المشقة علة القصر، بل العلة: السفر، والمشقة: هي الحكمة. وقال الدسوقي المالكي في حاشيته على الشرح الكبير (١/ ٣٥٨): «ولو كان سفره على خلاف العادة، بأن كان بطيران، أو بخطوة، فمن كان يقطع المسافة الآتية بسفره قصر، ولو كان يقطعها في لحظة بطيران ونحوه». وقال ابن قدامة في المغني (٢/ ١٩٠): «وإذا كان في سفينة في البحر، فهو كالبر، إن كانت مسافة سفره تبلغ مسافة القصر أبيح له، وإلا فلا، سواء قطعها في زمن طويل أو قصير، اعتبارًا بالمسافة». وانظر: الجوهرة النيرة على مختصر القدوري (١/ ٨٥)، بدائع الصنائع (١/ ٩٤)، الدر المختار (ص: ١٠٥)، مجمع الأنهر (١/ ١٦١)، الفتاوى الهندية (١/ ١٣٩)، منح الجليل (١/ ٤٠١)، عقد الجواهر (١/ ١٥٢). مختصر المزني (١/ ١٤٤). (٢) ذهب المالكية إلى أن القصر له حكمان: أحدهما: حكم في السفر وحده بلا نسك، فهذا عندهم يشترط أن يكون ذلك في مسافة لا تقل عن أربعة برد كقول الجمهور. والثاني: قصر الحاج، وهذا يشترط له الخروج من موضع إقامته، فإذا خرج قصر، ولو كان السفر قصيرًا، فيتم أهل عرفة بعرفة، ويقصرون بمنى ومزدلفة، ويتم أهل مزدلفة بها، ويقصرون في عرفة ومنى، ويتم أهل منى بها ويقصرون في عرفة ومزدلفة؛ لأن علة القصر النسك بشرط السفر ولو كان قصيرًا. وإذا كنت قد رجحت أن المكي لم يثبت في النصوص أنه قصر في عرفة، ولا أنه قصر في بقية المشاعر، كان قول الحنفية والشافعية والحنابلة بعدم قصر المكي في المشاعر هو الصواب، كقول المالكية في أهل المشاعر لا يقصرون في موضع إقامتهم، والله أعلم.