على أصل الوجوب، ولم تصر الركعتان نافلة، وهذا بخلاف ما ليس له حكم في الأصل، فإنه متى قيل فيما لا أصل له: إنه صدقة، كان ذلك إذنًا بجواز تركه بالكلية.
وتعقب:
بأن النبي ﷺ قال:(فاقبلوا صدقته) والأمر للإيجاب، وكل إحسانه إلينا صدقة علينا فإن لم نقبل ذلك هلكنا.
ورد هذا:
بأن القرينة الصارفة للأمر من الوجوب إلى الاستحباب، وجوب إتمام المسافر إذا صلى خلف مقيم.
ولأن الحديث:(وضع عن المسافر الصيام وشطر الصلاة) ومعلوم أن الفطر ليس بواجب، فكذلك القصر، وليس هذا من دلالة الاقتران كما يتصور البعض، بل هو من دلالة لفظ:(وضع) فإما أن يفيد الوجوب في جميع أفراده، أو يفيد الاستحباب فيها، أما أن يفيد الوجوب في أحدها، وفي الآخر الاستحباب، وهو لفظ واحد، فهذا تحكم بلا دليل، ولا يصح في الدلالة اللفظية.
واعترض عليه:
بأن الصيام لا إسقاط فيه، وإنما المكلف مخير بين التعجيل والتأخير، والرخصة في السفر إسقاط عدد، فكان ظاهر إسقاط الشرع ببعض العدد وجوب الاقتصار على الباقي منه؛ لأن العدول عن إيجاب الاقتصار لا يمكن إلا برد الإسقاط، وإسقاط الشرع لا سبيل إلى رده، وهذا المعنى المفرق بين إسقاط العدد والتقديم والتأخير.
ورد هذا:
بأن وجوب القضاء على المسافر لا يستفاد من حديث:(وضع عن المسافر الصيام وشطر الصلاة) حتى يعترض على الاستدلال، وإنما استُفِيدَ القضاء من قوله تعالى: ﴿فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾ [البقرة: ١٨٤].
والقول بأن الإسقاط لا سبيل إلى رده هذه دعوى في محل النزاع، فالحاج إذا تعجل فقد أسقط الرمي في اليوم الثالث إلى غير بدل، ولو أراد التأخر وجب عليه