بعرفة ومزدلفة لم يكن لخوف، ولا مطر، ولا لسفر أيضًا؛ فإنه لو كان جمعه للسفر لجمع في الطريق، ولجمع بمكة كما كان يقصر بها، ولجمع لمَّا خرج من مكة إلى منى، وصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر، ولم يجمع بمنى قبل التعريف، ولا جمع بها بعد التعريف أيام منى، بل يصلي كل صلاة ركعتين غير المغرب، ويصليها في وقتها، ولا جمعه أيضًا كان للنسك؛ فإنه لو كان كذلك لجمع من حين أحرم؛ فإنه من حينئذ صار محرمًا فعلم أن جمعه المتواتر بعرفة ومزدلفة لم يكن لمطر، ولا خوف، ولا لخصوص النسك، ولا لمجرد السفر، فهكذا جمعه بالمدينة الذي رواه ابن عباس، وإنما كان الجمع لرفع الحرج عن أمته، فإذا احتاجوا إلى الجمع جمعوا» (١).
ويناقش:
الجواب الأول:
قول ابن تيمية ﵀:(لو كان جمعه للسفر لجمع في الطريق، ولجمع بمكة كما كان يقصر بها)، هذا الإلزام ليس بلازم؛ فالفطر يجوز للمسافر، ولو لم يكن هناك مشقة، ولا يصح القول: لو كان فطره للسفر للزمه الفطر في كل سفره، فكذلك الجمع، فالقصر ملازم للسفر، وهو سنة، وقيل: واجب، والفطر والجمع من رخص السفر، يباحان مطلقًا، ويستحبان مع المشقة.
الجواب الثاني:
قياس الجمع في الحضر على مشقة السفر، لا يصح؛ لأن الجمع في السفر مباح، ولو لم يكن هناك مشقة كالفطر، بخلاف الجمع في الحضر على القول به لا يجوز إلا مع المشقة الظاهرة.
لأن إثبات الجمع عن طريق القياس اعتراف بأن الفرع المقيس لا نص فيه، وإذا كان الجمع للحاجة لا نص فيه، فلا يصح استخدام القياس فيما ترك النبي ﷺ فيه الجمع مع وجود المقتضي، أليس الترك من النبي ﷺ سنة؟ ويلزم منه الجمع فيما ترك النبي ﷺ فيه الجمع؟