المسجد انتشرت الأعمدة، فلو كانت الصلاة بينها مكروهة لانتشر اتقاؤها بين الصحابة، وعلى التسليم بصحة حديث أنس، فليس فيه إلا أن الصحابة يفضلون من المكان ما ليس فيه أعمدة، وهذا ليس صريحًا بكراهية الصلاة بينها؛ لأن الكراهة تتوقف على ثبوت النهي عن الصلاة بينها، والأحاديث التي فيها التصريح بالنهي لا يثبت منها شيء، فغاية ما يدل عليه حديث عبد الحميد بن محمود، عن أنس تفضيل المكان الذي ليس فيه أعمدة على مكان فيه أعمدة، وتفضيله لا يعني كراهة الصلاة بين السواري، والنبي ﷺ تيمم لرد السلام، وعلل ذلك بأنه يكره أن يذكر الله إلا على طهر، ومع استخدام لفظ الكراهة إلا أنه لا يدل إلا على تفضيل الذكر مع الطهارة على غيره، ولا يقضي ذلك بكراهة الذكر من المحدث، فكذلك هنا.
قال ابن المنذر:«ليس في هذا الباب خبر يثبت عن النبي ﷺ أنه نهى عنه، وأعلى ما فيه قول أنس: كنا نتقيه، ولو اتقى متقٍ كان حسنًا»(١).
ويجاب:
الترك المقصود فعل، فكون جماعة الصحابة يتقونه في عهد التشريع إيماء بكراهته، وإن كان أخف من المنهي عنه صريحًا، فالمكروه قسمان:
- قسم نهى عنه الشارع فهذا أعلى درجات الكراهة.
- وقسم من المكروه عند بعض الأصوليين، لم يثبت فيه نهي خاص، ويطلق عليه خلاف الأولى، وهو أخف من الأول، ومسألتنا من هذا النوع. ومنه قول النبي ﷺ:(إني كرهت أن أذكر الله على غير طهر)، ولا يقال لمن ذكر الله على غير طهر أنه قد أتى مكروهًا.
وإن شئت قل: بين الكراهة والإباحة واسطة، وهي خلاف الأولى.
الدليل الثاني:
قطع الصف على القول بكراهته إنما يتوجه إذا تعمد المصلي قطعه بلا حاجة،