قال أبو بكر بن الأثرم في الناسخ والمنسوخ (ص: ٢٢٣): «ربما روى الثبت حديثًا فخالفه فيه من هو دونه، فيكون الذي هو دونه فيه أصوب، وليس ذلك في كل شيء، وسنفتح لك منها بابًا. قد كان سالم بن عبد الله يقدم على نافع. وقد قدم نافع في أحاديث على سالم. فقيل نافع فيها أصوب. وكان سفيان بن سعيد يقدم على شريك في صحة الرواية تقديمًا شديدًا، ثم قضي لشريك على سفيان في حديثين. ومثل هذا كثير». الحجة الرابعة: أن ابن جريج قد اختلف عليه في الحديث، فرواه عبد الرزاق، عنه، عن عمرو بن دينار، عن جابر كما سبق. ورواه عبد الرزاق في إسناد آخر عنه في المصنف، ط التأصيل (٢٣٣٤)، عن ابن جريج، قال: حدثت عن عكرمة مولى ابن عباس وقال: كان معاذ بن جبل يصلي مع النبي ﷺ الصلاة التي يدعونها الناس العتمة، ثم ينطلق فيؤمهم في العشاء الآخرة أيضًا، فهي له تطوع، وهي لهم مكتوبة. فلا يبعد أن يكون دخل على ابن جريج روايته لهذا الحديث من هذا الطريق الضعيف، على روايته عن عمرو بن دينار؛ لأنه يبعد أن يكون هذا التطابق في المتن بين الروايتين. بين رواية عمرو بن دينار من رواية ابن جريج عنه، وهو متصل، وبين رواية ابن جريج، حدثت عن عكرمة. فهذا طريق منقطع ما بين ابن جريج وعكرمة، وأرسله عكرمة، فلم يقل: عن معاذ بن جبل، ولو قال: عن معاذ، لم يقبل؛ لأن معاذًا لم يذكر من شيوخه. فهذا التطابق في المتن بين الروايتين مما تفرد بهما ابن جريج، وهو ما يجعل الظن أنه دخل عليه روايته الضعيفة عن عكرمة بما رواه عن عمرو بن دينار، فمن أين جاء هذا التطابق بين الروايتين. وقد ذكرت فيما سبق أن من القرائن في الحكم على زيادة الراوي بالشذوذ تقديم الراوي الذي لم يختلف عليه، على الراوي الذي اختلف عليه؛ لأن الاختلاف على الراوي في لفظ الحديث دليل على عدم ضبطه. الخامس: تجنب البخاري ومسلم إخراج رواية ابن جريج، وإن كانت على شرطهما، فأخرجه البخاري من رواية شعبة، وسليم بن حيان عن عمرو بن دينار، عن جابر، ومن رواية محارب بن دثار، عن جابر. وأخرجه مسلم من رواية سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار. ومن رواية أبي الزبير، عن جابر. واتفاقهما على ترك رواية ابن جريج، عن عمرو بن دينار، على الرغم من قوة إسنادها، وكونها على شرطهما، ليس ذلك إلا تجنبًا لما انفرد به ابن جريج، عن عمرو بن دينار. =