والجواب: أن المالكية قدموا الأكثر عبادة؛ لكثرة طاعته، وقدموا المسن؛ لأن أعماله تزيد بزيادة السن، فهو في معنى الأكثر عبادة، وليس المراد من تقديم الأكبر سنًا؛ كونه كبيرًا فحسب، كما هو ظاهر النص، وإن كان توقير الكبير مستقرًا في الشريعة بنصوص أخرى.
فقد جاء رجلان إلى رسول الله ﷺ، حويصة ومحيصة، فذهب أحدهما يتكلم فقال الرسول ﷺ: كبر، كبر.
لكن في الإمامة يراد من قدم السن، قدم الإسلام، كما تبينه الرواية الأخرى (فأقدمهم سلمًا)، فابن العشرين من أولاد المسلمين يقدم على ابن الستين إذا أسلم وهو في الخمسين.
فإذا كان الأقدم سنًا من الأوصاف الذي يستحق بها الإمامة؛ لكونه مظنة كثرة العبادة؛ فلتكن كثرة العبادة المتحققة من باب أولى أن يستحق بها الإمامة، ولذلك قدمت كثرة العبادة على كبر السن؛ لأن المتحقق ليس كالمظنون، والله أعلم.
ولعل من كثرت عبادته صار بمنزلة من تقدمت هجرته أيضًا، لأنه سيكون أكثر طاعة وأكثر علمًا، وإن كان المالكية لم يجعلوا تقدم الهجرة من الصفات التي تستحق بها الإمامة، والله أعلم.
دليل من جعل حسن الخلق من صفات التفاضل على الإمامة:
اتفق الحنفية والمالكية والشافعية على اعتبار حسن الخلق من صفات التفاضل على الإمامة، وإن اختلف ترتيبه بينهم.
وجه كون حسن الخلق من صفات التفاضل:
أن الإمام في الصلاة موضع القدوة، فمن اقتدي به في أعظم أركان الإسلام العملية فحري أن يقتدى به في سائر أمور الحياة، ومن كان إمام قومه فهو دال على فضله عليهم، ولهذا كان من شروطها العدالة، وإتقان قراءة القرآن، فكان توفر شروط الإمامة في الرجل دالًا على خيريته وفضله وعلو مرتبته، وهي وظيفة النبي محمد ﷺ، فكان