للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

ولم يترك من فرائضها شيئًا، أن صلاته مجزية عنه … وفي هذا دليل على أن النهي عن الصلاة بحضرة الطعام من أجل خوف اشتغال بال المصلي بالطعام عن الصلاة، وتركه إقامتها على حدودها، فإذا أقامها على حدودها خرج من المعنى المخوف عليه، وأجزأته صلاته لذلك» (١).

فالقول بتقديم الطعام على فريضة الوقت قول شاذ، قال ابن رجب: «ومتى خالف، وصلى بحضرة طعام تتوق نفسه إليه، فصلاته مجزية عند جميع العلماء المعتبرين، وقد حكى الإجماع على ذلك ابن عبد البر، وإنما خالف فيه شذوذ من متأخري الظاهرية، لا يَعْبَأُ بخلافهم الإجماعُ القديم» (٢).

والاعتماد على دلالات الألفاظ دون الرجوع إلى فهم الصحابة والتابعين والقرون المفضلة هو ما أوقع الظاهرية في الأقوال الشاذة المنكرة، و اللغة العربية هي إحدى الأدوات لفهم النص، وليست الأداة الوحيدة، فالمعنى الشرعي قد يكون أخصَّ أو أعمَّ من المعنى اللغوي، فالسؤال: من قال من الصحابة، أو من التابعين، أو من الأئمة الأربعة: إن المصلي يقدم الطعام، ولو خرج وقت الصلاة؟

أليس الصحابة أعلم بدلالات النصوص، ومعاني الألفاظ، وأحكم في معرفة مقاصد الشريعة من ابن حزم، ومن تأثر بمنهجه في التعامل مع النصوص؟

أين الفقه في هذا القول الشاذ إذا كان في حال القتال والخوف الشديد يقدم الصلاة على أركانها وبعض شروطها حتى إنه مأمور بالصلاة، وهو يمشي ويسعى على الدابة، وينحرف عن القبلة، ويومئ بالركوع والسجود، ولا يؤخر الصلاة عن وقتها، وعند حضور الطعام يقدم الطعام على فريضة الوقت؟ فهل كان الحرص على الطعام أولى من الحرص على الحياة؟ فلولا أن الأصول مختلة ما أثمرت مثل هذا الفقه.

ولست بحاجة إلى مثل هذه القسوة مع ابن حزم وقد توفاه الله لولا أن هذه الأدوات في فهم النصوص يتعامل بها كثير من إخواني، وأصبح من يخالفهم مخالفًا لظاهر النصوص الشرعية، وكأن هذا الظاهر قد أحاطوا به وقصر عنه علم الصحابة والتابعين وأتباعهم.

فلو سلمنا أن قوله : (لا صلاة … ) بمنزلة النهي عن الصلاة، فالصارف له


(١) التمهيد (٢٢/ ٢٠٦).
(٢) فتح الباري (٦/ ١٠٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>