للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

السبل، وهلكت المواشي، ولو كان هناك رخصة في سقوط الجماعة أو الجمعة بسبب المطر لما تجشموا الحضور مع هذه المشقة الشديدة، التي عمت حتى طالت الإنسان والحيوان والبنيان والطرق، ولم يخيَّر النبي بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثمًا، فدل على أن ترك الجمعة إثم، والله أعلم.

وأما الجواب عن حديث ابن عباس في إباحة التخلف عن الجمعة فيحتمل أحد أمرين:

الأول: يحتمل أن ابن عباس اجتهد في قياس الحضر على السفر.

فالإمام مالك حين سئل عن التخلف عن الجمعة للمطر، قال: ما سمعت.

يحتمل أنه لم يسمع بحديث ابن عباس، وهو الظاهر.

ويحتمل أنه رأى أن ابن عباس اجتهد في قياس الحضر على السفر، وتأول حديث ابن عمر أن رسول الله كان يأمر المؤذن، إذا كانت ليلة ذات برد ومطر، يقول: ألا صلوا في الرحال (١).

فالحديث في الصلوات الخمس، وفي السفر، فيحتمل أن ابن عباس اجتهد، فقاس الجمعة على الجماعة، والحضر على السفر، ورأى أن العلة هي البرد والمطر، وهذا لا يختص بالسفر، فخص مالك حديث ابن عمر في الصلوات الخمس، وفي السفر، خاصة أن أكثر أحاديث ابن عباس سمعها من الصحابة؛ لصغر سنه، والأحاديث الصحيحة المنقولة في الأمر بالصلاة في الرحال هو حديث ابن عمر في السفر، وحديث نعيم بن النحام في الحضر، ولكنه منقطع.

ويحتمل أن أصحاب هذا القول رأوا أن الترخص كان لاجتماع المطر مع الوحل، لقوله: (في يوم مطير) فالمطر وحده عذر في قول جماهير أهل العلم؛ لأنه يؤذي من جهتين: من أعلى، ومن أسفل.

والوحل من جهة واحدة، والرخصة إذا أبيحت لمعنيين لم يجز تعلقها بأحدهما، والله تعالى أعلم (٢).


(١) صحيح البخاري (٦٦٦)، صحيح مسلم (٢٢ - ٦٩٧).
(٢) انظر: الحاوي الكبير (٢/ ٣٩٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>