للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

التمهيد: «قال إسحاق بن راهويه: كان رأي أهل العلم من لدن النبي -إلى زماننا هذا: أن تارك الصلاة عمدًا من غير عذرٍ حتى يذهب وقتها كافر، إذا أبى من قضائها، وقال: لا أصليها» (١).

فهو يتحدث عن الممتنع، وليس مجرد التارك، والممتنع نقل الإجماع على كفره ابن تيمية، قال ابن تيمية: «متى امتنع الرجل من الصلاة حتى يقتل لم يكن في الباطن مقرًّا بوجوبها، ولا ملتزمًا بفعلها، وهذا كافر باتفاق المسلمين» (٢).

وقال أيضًا: «يمتنع في الفطرة أن يكون الرجل يعتقد أن الله فرضها عليه، وأن يعاقبه على تركها، ويصبر على القتل، ولا يسجد لله سجدة، من غير عذر له في ذلك، هذا لا يفعله بشر قط، بل ولا يُضرب أحد ممن يقر بوجوب الصلاة، إلا صلَّى، لا ينتهي الأمر به إلى القتل، وسبب ذلك أن القتل ضرر عظيم، لا يصبر عليه


(١) التمهيد (٤/ ٢٢٥)، هكذا نقل ابن عبد البر عبارة الإمام إسحاق عليهما رحمة الله، ولم أقف على أحد وافق ابن عبد البر على هذا النقل، وليس النقل عن إسحاق مسندًا، فإن كان الترجيح بين عبارتيه، فإن ما نقله محمد بن نصر في كتاب الصلاة أرجح من جهة الإسناد؛ حيث لا واسطة بينه وبين الإمام إسحاق، فهو معدود من تلاميذه بخلاف ابن عبد البر، فإن بينه وبين إسحاق مفازة، وقد نقل محمد بن نصر عن شيخه ما يدل على أنه يرى كفر تارك الصلاة بمجرد الترك، حتى ولو لم يُسْتَتَبْ، قال في كتابه تعظيم قدر الصلاة (٢/ ٩٢٩) عن شيخه إسحاق: فكذلك تارك الصلاة يدعى إلى الصلاة، فإذا ندم ورجع زال عنه الكفر. اه فهذا نص على أنه يراه متلبسًا بالكفر قبل استتابته.
وإن كان الترجيح من جهة المعنى، فعبارة ابن عبد البر هي المناسبة؛ لأنه يحكي الإجماع من عصر النبوة إلى عصر الإمام إسحاق، لأن الإجماع الممتد لا يقبل بمجرد الترك؛ لأن الخلاف مشهور. والإمام إسحاق لا شك أنه يرى كفر تارك الصلاة، ولو لم يكن ممتنعًا، وإنما النزاع في عبارته في حكمين:
الأول حكاية الإجماع على كفر تارك الصلاة ولو ترك صلاة واحدة إذا خرج وقتها، وفيها خلاف محفوظ.
الثانية: دعوى أن الإجماع ممتد من عصر النبوة إلى عصر الإمام إسحاق، والخلاف في التابعين معروف، وبعد التابعين مشهور، فليتأمل.
(٢) الفتاوى الكبرى (٢/ ٢٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>