فالمستحب يفعل مرة ويترك أخرى، وتركه ليس دليلًا على نفي استحبابه، كيف وقد ثبت فعله عن كعب بن مالك، ولم ينكر أحدٌ فعلَه، حتى قال ابن القيم:«وفي سجود كعب حين سمع صوت المبشر دليل ظاهر أن تلك كانت عادة الصحابة»(١).
• ونوقش:
بأن النقل عن كعب صحيح، وأما القول بأن ما فعله واحد من الصحابة دليل على أن جميع الصحابة كان يفعله فهذا التعميم غير مقبول، ولا يلتزمه القائل في بقية ما ينقل من أفعال الصحابة، فالصحيح أنه إذا لم يثبت فعله إلا عن كعب بن مالك، فهذا ينفي البدعة عنه، ولا يقرر مشروعيته، وقد تركه من هو أفضل من كعب، وهو النبي ﷺ، كما تركه من هو أعلم منه، كالخلفاء الراشدين أبي بكر، وعمر، وعثمان، وفقهاء الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين.
الدليل الثالث:
أن الله ﷾ قد أنعم على كثير من الصحابة بالهداية إلى الإسلام، وهي من أعظم نعم الله على العبد، ولم ينقل عن أحد ممن أسلم على يدي النبي ﷺ أنه شكر نعمة الإيمان بالسجود.
• ونوقش هذا:
بأن حديث العهد بالإسلام قد أسلم، ولما يدخل الإيمان في قبله، فلا تتبين له عظم النعمة التي أنعم الله بها عليه حتى يشعر بحلاوة الإيمان، وذلك لا يكون إلا بعد ملازمة الطاعات، والابتعاد عن المحرمات، فإذا شعر بذلك يكون سجود الشكر قد فات وقته، والله أعلم.
• ويرد:
إن كان هذا يصدق في حق من أسلم، فإن المؤمنين كانوا يفرحون بإسلام الداخل في الإسلام، خاصة من كان إسلامه علامة فارقة في حياة المسلمين،