قالوا: إن في إيجاب التكرار في مجلس واحد إيقاعًا للناس في الحرج، ولا حرج عند اختلاف الآية في مجلس واحد، وعند اختلاف المجالس (١).
ولأنه إذا سقط التكرار عن المعلم والمتعلم، فإنما سقط ذلك لداعي التكرار، وليس لوصفه بالمعلم أو المتعلم، ولذلك لو قرأ المعلم والمتعلم القرآن كاملًا سجد لجميع سجداته، ولا يسقط عنه بتكرر السجود.
الدليل الخامس:
أن المجلس الواحد جامع للكلمات المتفرقة كما في الإيجاب والقبول.
• ويناقش:
القياس على الإيجاب والقبول قياس مع الفارق، فقياس العبادات على المعاملات، وقياس ما يقع بين طرفين على ما يقع من طرف واحد غير مسلم في القياس.
وعلى التسليم بصحة القياس فالمراد بالمجلس في عقد البيع ما هو أعم من الجلوس، بل المراد به الحال التي يكون فيها المتعاقدان مقبلين على التفاوض في العقد، فحقيقة الجلوس ليست مقصودة في هذا الخيار المسمى (بخيار المجلس)، فقد يحصل اتحاد المجلس مع الوقوف، ومع تغير المكان كما لو انتقلا معًا، وعليه فمجلس العقد: هو وحدة زمنية أقرب من كونه وحدة مكانية، وزمنه يبدأ من وقت صدور الإيجاب ولحاق القبول به من المشتري مطابقًا له، وتستمر طوال المدة التي يظل فيها العاقدان منصرفين إلى التعاقد، دون ظهور إعراض من أحدهما عن التعاقد، وتنتهي بالإعراض عن العقد، ولو كانا في مجلس واحد، فإذا انشغلا عن العقد بأمر أجنبي عنه فقد انقطع الإيجاب، ومن الإعراض تفرق الأبدان، سواء أكانا في مكان التعاقد، أم انتقلا إلى مكان آخر، ومقصد الشارع من مشروعية خيار المجلس ليس احترام مكان الجلوس، وإنما إعطاء حق التروي لكل واحد من المتعاقدين خشية أن يكون هناك اندفاع متسرع لقبول العقد، دون تقليب نظر، والله أعلم.