للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

بأن هذا الأمر يتعلق بالآداب.

ومثله حديث: (إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فليغمسه) (١)، فإن الأمر بالغمس ليس للوجوب، بل ولا للندب، وإنما هو للإرشاد، والصارف ليس قرينة لفظية، وإنما كون الأمر يتعلق بالصحة، وقل مثل ذلك لأحاديث كثيرة صرفت من الوجوب للندب لقرينة معنوية ظهرت لفهم المجتهد، وهذا ما جعل الشاطبي يقول: إن دلالة الأمر والنهي وُكِلَت إلى أنظار المكلفين ليجتهدوا فيها (٢).

وقاعدة الأصل في الأمر للوجوب هذه القاعدة أغلبية، وليست كلية، فلا يعترض عليها بوجود بعض الأوامر خرجت عن هذه القاعدة، لأن هذا سبيل القواعد الأصولية، وخروج بعض الأوامر عن هذه القاعدة لا يسقطها، وعلى المجتهد ألا يتشدد في الصوارف، فكل قرينة لفظية أو معنوية صالحة لصرف الأمر عن الوجوب قد تصرف الأمر من الوجوب إلى الاستحباب.

وكل دليل احتج به من قال: السجود سنة فإنه صالح أن يكون صارفًا للأمر من الوجوب؛ لأن الصارف قد اتفقنا على أنه قد يصرف الأمر لقرينة لفظية أو معنوية، ولفهم المجتهد، ومن هذه الصوارف أن سجود السهو إما أن يكون لترك فرض، أو لترك سنة، فإن كان لترك فرض، فالجابر هو الإتيان بالركن الناقص، ولا يعتبر السجود تعويضًا عن الركن الناقص، فكان الجابر الحقيقي هو تصحيح الصلاة بالإتيان بالركن، والسجود قدر زائد على الجبر، وهو من ترغيم الشيطان، فكان بمنزلة الاستعاذة، وإن كان لترك سنة كان الجبر ليس واجبًا؛ لأنه بدل عن مسنون، والبدل له حكم المبدل، ولا يوجد قسم الواجب في أفعال الصلاة على الصحيح، والله أعلم.

الدليل الثالث:

(ح-٢٥٣٥) ما رواه أحمد، قال: حدثنا حجاج، قال ابن جريج: أخبرني عبد الله بن مسافع، أن مصعب بن شيبة أخبره، عن عقبة بن محمد بن الحارث،


(١) صحيح البخاري (٣٣٢٠).
(٢) الموافقات (٣/ ٤٠١).

<<  <  ج: ص:  >  >>