ومثله حديث أبي سعيد الخدري في الصحيحين في دفع المار، وسبق ذكره (١).
وفي دفع أبي سعيد الخدري للرجل في عهد بني أمية دليل على أن الحكم محكم غير منسوخ.
وإن قيل: إن النسخ رافع لحكم القطع دون المرور، فالمرور على التحريم، واعتبرتم اعتراض عائشة من باب المرور، فلماذا أقرها الرسول ﷺ على فعلها مع تحريمه، فلماذا لم تقبض عائشة قدميها طيلة الصلاة حتى لا تقع في النهي في كل مرة تعود إلى بسط قدميها، والحاجة إلى بسط القدم ليس مسوغًا لانتهاك الحرام، فكما قبضت قدميها لحاجة السجود، تقبض قدميها لحرمة المرور، مع أن القول بالنسخ لبعض الحكم دون بعض تحكم، لا يقوم على حجة.
فإن قيل: هي مضطرة؛ لضيق المكان.
فالجواب: إذًا لماذا لا نعتبر الضرورة هي التي رفعت حكم القطع، وليس النسخ أو دعوى افتراض التعارض، فالضرورة تقدر بقدرها، فهي حالة استثنائية لا حكم لها، فلا يعارض بها الأحاديث الصحيحة في حال الاختيار، كحديث أبي ذر.
والذي أريد أن أتوصل إليه من خلال هذا النقاش بيان تهافت حجة من يقول: إن الاعتراض بمنزلة المرور، ثم يذهب إلى تحريم المرور، ويجوز الاعتراض؛ لحديث عائشة، أليس هذا إقرارًا منه بالتفريق الذي نفاه؟
ولو كان الاعتراض من عائشة ناسخًا لحكم المرور، لكان ناسخًا للجميع بما فيه مرور الكلب، وعائشة نفسها ثبت عنها بسند صحيح كما سيأتي ذكره إن شاء الله تعالى أنها ترى قطع الصلاة بمرور الكلب وحده.
الدليل الثالث:
(ح-٢٣٧٢) ما رواه أبو العباس السراج من طريق علي بن الحسن بن شقيق، أخبرنا أبو حمزة، عن حميد بن هلال، عن عبد الله بن الصامت قال:
سألت أبا ذر: ما يقطع الصلاة؟ قال: لا يقطع الصلاة شيء غير الكلب الأسود. فقلت: ما بال الكلب الأسود من الأحمر من الأبيض؟ قال: سألت النبي ﷺ عما