للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

عن الكثير دون القليل؛ فإن في الحيِّ حركات من الطبع، وليست من الصلاة، فلو اعتبر العمل مفسدًا مطلقًا لزم الحرج في إقامة صحتها، وهو مدفوع بالنص» (١).

وقال المالكية: كل فعل كثير في الصلاة ليس منها وإن وجب، كقتل ما يحاذر، أو لإنقاذ نفس، أو مال، حتى ولو كان سهوًا فإنه يبطلها (٢).

فلو سقط رداءه فأخذه وأصلحه ولم ينحط لأخذه؛ لكونه جالسًا بالأرض فمندوب، فإن انحط لأخذه كره كراهة شديدة ولم تبطل به الصلاة إن حدث مرة واحدة، وإلا أبطل؛ لأنه فعل كثير. وأما أخذ العمامة إذا سقطت، فإن لم ينحط لها ولم يحتج كثير شغل في شد تحنيكها لم تبطل، فإن انحط لأخذها بطلت، ولو مرة؛ لأن العمامة لا تصل لرتبة الرداء في الطلب، وكذا لو احتاج لشغل كثير لشد تحنكيها؛ لأنه فعل كثير.

ولو انفلتت دابته، وهو في الصلاة، مشى إليها فيما قرب، فإن بعدت منه فله أن يقطع الصلاة ويطلبها إن كان الوقت متسعًا، وكان ثمنها يجحف به، فإن ضاق الوقت، أو قَلَّ ثمنها فلا يقطعها إلا أن يخاف الضرر على نفسه؛ لكونه بمفازة. وغير الدابة من المال يجري على هذا التفصيل، والله أعلم (٣).

وقال الشافعية: الفعل الكثير الذي ليس من جنس الصلاة إن كان كثيرًا متواليًا بطلت به الصلاة، ولو سهوًا على الصحيح، وإن كان قليلًا لم تبطل ولو كان عامدًا إلا في الأكل فتبطل بقليله إلا أن يكون جاهلًا أو ناسيًا، والخطوتان، أو الضربتان قليل، والثلاث كثير إن توالت، وتبطل بالوثبة الفاحشة، لا الحركات الخفيفة، ولو توالت، كتحريك أصبع في سبحة، أو حك، أو حل أو عقد في الأصح (٤).


(١) البحر الرائق (٢/ ١٢).
(٢) الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي (١/ ٢٨٩)، التوضيح لخليل (١/ ٣٩١)، الخرشي (١/ ٣١٨)، الشرح الصغير مع حاشية الصاوي (١/ ٣٤٨، ٣٥٥)، الفواكه الدواني (٢/ ٢٦٨)، شرح الزرقاني على خليل (١/ ٤٢٥)، حاشية العدوي على كفاية الطالب (٢/ ٤٠١).
(٣) حاشية الدسوقي (١/ ٢٨٠، ٢٨١)، شرح الزرقاني على خليل (١/ ٣٧٨)، البيان والتحصيل (٢/ ١١٤)، المختصر الفقهي لابن عرفة (١/ ٢٨٩) جواهر الدرر (٢/ ٢١١)، الخرشي (١/ ٣١٩).
(٤) قال النووي في المجموع (٤/ ٩٣، ٩٤): «مختصر ما قاله أصحابنا: أن الفعل الذي ليس من
جنس الصلاة، إن كان كثيرًا أبطلها بلا خلاف، وإن كان قليلًا لم يبطلها بلا خلاف ..... ثم اتفق الأصحاب على أن الكثير إنما يبطل إذا توالى، فإن تفرق بأن خطا خطوة، ثم سكت زمنًا، ثم خطى أخرى، أو خطوتين ثم خطوتين بينهما زمن -إذا قلنا لا يضر الخطوتان- وتكرر ذلك مرات كثيرة حتى بلغ مائة خطوة فأكثر لم يضر بلا خلاف … قال أصحابنا: والمراد بقولنا: لا تبطل بالفعلة الواحدة ما لم يتفاحش فإن تفاحشت وأفرطت، كالوثبة الفاحشة بطلت صلاته بلا خلاف، وكذا قولهم: الثلاث المتوالية تبطل: أرادوا الخطوات والضربات ونحوها: فأما الحركات الخفيفة، كتحريك الأصابع في سبحة، أو حكة، أو حل وعقد، ففيها وجهان حكاهما الخراسانيون: أحدهما: أنها كالخطوات فتبطل الصلاة بكثيرها.
والثاني: وهو الصحيح المشهور وبه قطع جماعة لا تبطل، وإن كثرت متوالية لكن يكره، وقد نص الشافعي أنه لو كان يعد الآيات بيده عقدًا لم تبطل صلاته، لكن الأولى تركه».
وقال النووي في الروضة (١/ ٢٩٤): «وجميع ما ذكرنا إذا تعمد الفعل الكثير، فأما إذا فعله ناسيًا، فالمذهب، والذي قطع به الجمهور: أن الناسي كالعامد. وقيل: فيه الوجهان في كلام الناسي».
وانظر: المنهاج (ص: ٣٢)، مغني المحتاج (١/ ٤١٨)، تحفة المحتاج (٢/ ١٥٢)، روضة الطالبين (١/ ٢٩٤)، فتح العزيز (٤/ ١٢٩)، المجموع (٤/ ٩٣)، نهاية المطلب (٢/ ٢٠٥، ٢٠٦)، التعليقة للقاضي حسين (٢/ ٨٣٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>