للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

فإذا أتينا إلى النهي في الأدلة، فهي صريحة في تحريم التصوير، لكن لا يوجد فيها لا نهي صريح، ولا غير صريح في النهي عن الصلاة بالثوب الذي فيه صورة، وبينهما فرق، فكان مقتضى ذلك حسب قواعد مذهب الحنفية أن تكون الكراهة تنزيهية.

يقول ابن عابدين في حاشيته: «لا يلزم من حرمته -يعني التصوير- حرمة الصلاة فيه، بدليل أن التصوير يحرم؛ ولو كانت الصورة صغيرة كالتي على الدرهم، أو كانت في اليد، أو مستترة، أو مهانة مع أن الصلاة بذلك لا تحرم، بل ولا تكره؛ لأن علة حرمة التصوير المضاهاة لخلق الله تعالى، وهي موجودة في كل ما ذكر» (١).

وعلة المضاهاة تتعلق بالمصور، لا بالمستعمل، لكن هذه إحدى علل تحريم التصوير، وأما المستعمل، فلم يذكروا إلا ثلاث علل، سأذكرها إن شاء الله تعالى.

هذا فيما يتعلق بمناقشة الحنفية على بناء الحكم على الكراهة التحريمية.

وأما إخراجهم الصورة الصغيرة والمستترة، فقالوا: إن الحكم معلل بثلاث علل:

الأولى: امتناع دخول الملائكة.

والثانية: تعظيم الصورة.

والثالثة: التشبه بالكفار في عباداتهم.

وإذا كانت الصورة صغيرة انتفى التعظيم، وإذا كانت مستترة انتفى التعظيم والتشبه، وإذا انتفى التعظيم والتشبه لم يمنع ذلك من دخول الملائكة، فانتفت العلل الثلاث.

أما الجواب عن علة امتناع دخول الملائكة:

فيقال: إن امتناع دخول الملائكة لا يشمل الصورة المباحة، والصورة في الثوب مستثناة من التحريم، لقوله : (إلا رقمًا في ثوب)، وإذا كانت الصورة المهانة لا تمنع دخول الملائكة، فكذلك الرقم في الثوب كذلك.

وأما الجواب عن علة التعظيم:

فهي علة معتبرة نصًا في الصورة المرفوعة، وملغاة نصًا في الصورة المهاناة التي تداس على الأرض حتى على مذهب الحنفية، وتبقى الصورة التي في الثوب، وقد بينت بما سبق أن استعمال الثوب في اللبس امتهان للصورة، ولذلك جاء النص باستثنائها في


(١) حاشية ابن عابدين (١/ ٦٤٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>