للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

الصحيح، وإن كان المقصود من نفي الدعاء بعد الصلاة نفي الدعاء الجماعي، كما لو كان الإمام يدعو، والمأموم يؤمن، فهذه الصفة بدعة، وإن قال بها بعض الفقهاء.

وإن كان المقصود من نفي الدعاء نفي الدعاء المطلق بغير الألفاظ الواردة، فالنفي متوجه، وإنما يقتصر المصلي من الدعاء بعد الصلاة على ما ورد في الأحاديث الصحيحة على الصحيح؛ لأن الدعاء في هذا الموضع من الدعاء المقيد الذي يقف فيه الداعي على ما ورد، بلا زيادة، ولا نقص؛ لكونه شُرِع في وقت مخصوص، وبعد صلوات مخصوصة، ولم يرد إذْنٌ عام في الدعاء بعد الصلوات حتى يدعو المصلي بما شاء من الأدعية، بخلاف الدعاء في آخر التشهد فقد أُذِنَ له فيه أن يدعو بما شاء، قال : (ثم ليتخير من الدعاء أعجبه إليه)، وكذلك أذن له في الدعاء المطلق في السجود، كما في حديث: (وأما السجود فأكثروا فيه من الدعاء) وقال: (أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فاجتهدوا فيه بالدعاء)، وكل هذه الأحاديث سبق تخريجها.

• دليل من قال: يشرع الدعاء بعد الصلوات مطلقًا:

الدليل الأول:

(ح-٢٠٥٢) ما رواه الترمذي والنسائي في السنن الكبرى، عن محمد بن يحيى الثقفي المروزي، قال: حدثنا حفص بن غياث، عن ابن جريج، عن عبد الرحمن بن سابط،

عن أبي أمامة، قال: قيل يا رسول الله: أي الدعاء أسمع؟ قال: جوف الليل الآخر، ودبر الصلوات المكتوبات (١).

[ضعيف] (٢).


(١) سنن الترمذي (٣٤٩٩)، والسنن الكبرى للنسائي (٩٨٥٦).
(٢) نقل الحافظ ابن حجر عن الترمذي أنه قال: حسن غريب. وتعقبه الحافظ ابن حجر في نتائج الأفكار (٢/ ٢٤٧)، فقال: «وفيما قاله نظر؛ لأن له عللًا».
إحداها: الانقطاع، قال العباس الدوري في تاريخه عن يحيى بن معين: لم يسمع عبد الرحمن ابن سابط من أبي أمامة.
ثانيتها: عنعنة ابن جريج.
ثالثتها: الشذوذ، فإنه جاء عن خمسة من أصحاب أبي أمامة أصل هذا الحديث من رواية أبي أمامة عن عمرو بن عبسة، واقتصروا كلهم على الشق الأول». اه
وقد فهم الحافظ أن الترمذي ذهب إلى تحسين الحديث حسب الاصطلاح المشهور عند المتأخرين، وليس الأمر كذلك، بل إن حكم الترمذي على الحديث بأنه حسن ذهاب منه إلى تضعيف الحديث بحسب مصطلح الترمذي في الحديث الحسن، وهو مصطلح خاص له، وقد تكلمت عنه أكثر من مرة في هذا الكتاب، فليتأمل.
كما أن الإعلال بمجرد العنعنة فيه خلاف بين أئمة المصطلح، فهناك من يعتبر العنعنة علة، وهناك من لا يعتبر العنعنة بمجردها علة حتى يثبت أن الراوي قد دلس، وهذا أصح، إلا أنه في هذا الحديث لا يمكن الوقوف على ذلك؛ لتفرد محمد بن يحيى عن حفص، وتفرد حفص بن غياث عن ابن جريج، فإسناده غريب، ولو كان له طرق لأمكن التفتيش فيها حتى يتبين أدلسه ابن جريج أم لا؟ وقد تغير حفظ حفص لما ولي القضاء، وكتابه صحيح، ومع أن ابن جريج وحفص من رواة البخاري ومسلم إلا أن البخاري لم يخرج في صحيحه لابن جريج من رواية حفص، وخرج له مسلم ثلاثة أحاديث وكلها قد توبع عليها داخل الصحيح، مما يدل على أن مسلمًا كان ينتقي من حديثه، والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>