وأما إذا كان الخطأ مظنونًا، ولم يتيقن، فإنه يبني على صلاته؛ لأن الاجتهاد لا ينقض بالاجتهاد.
وانظر الأدلة على التفريق بين المأمورات والمنهيات والجواب عنها في المسألة التالية بعد هذه، وهو ما إذا علم بالخطأ بعد الفراغ من الصلاة، فقد ناقشت الاستدلال بهذا الدليل والجواب عنه، والله أعلم.
• دليل من قال: إذا أخطأ في القبلة وظهر الصواب مقارنًا بنى، وإلا بطلت:
أن المجتهد إذا اجتهد في القبلة، وغلب على ظنه جهة من الجهات، كان مأمورًا بالصلاة إليها، فإذا ظهر له أنه أخطأ، سواء أكان الخطأ متيقنًا أم مظنونًا فإن ذلك لا يبطل صلاته؛ لأن دخوله في الصلاة كان مأذونًا فيه، وما ترتب على المأذون فهو غير مضمون، وإنما يشترط للبناء أن يظهر له الصواب في القبلة مقارنًا لظهور الخطأ ليبني على ما صلى، وحتى لا يفوت جزء من الصلاة إلى غير قبلة محسوبة، فإن لم يظهر له الصواب مقارنًا بطلت صلاته، وكان عليه أن يتحرى جهة القبلة؛ ليستأنف الصلاة.
• وقد يناقش:
بأن هذا الرجل قد تلبس بالعبادة على وجه مأذون له فيه، وظهر له أنه أخطأ، فكوننا نشترط لصحة البناء أن يظهر له الصواب مقارنًا لظهور الخطأ فهذا الشرط لا دليل عليه، فإذا لم يظهر له الصواب يكون في حكم العاجز عن معرفة القبلة، والعاجز لا تبطل صلاته لعجزه، وإذا أبطلنا صلاته، فقد لا يتمكن من معرفة القبلة فنكون أفسدنا صلاته من أجل مصلحة متوهمة، قد تتحقق، وقد لا تتحقق، خاصة أنه قد تلبس بالمأمور به على وجه مأذون، فلماذا لا نعتبر العجز عذرًا، ويكون حكمه حكم المتحير الذي لا يعرف القبلة؟ وسوف يأتينا إن شاء الله تعالى بحث هذه المسألة في مسألة مستقلة، وأن هناك من الفقهاء من قال: يتخير فيصلي إلى أي جهة شاء، ومن الفقهاء من قال: يصلي وجوبًا إلى أربع جهات، وهناك من جعل هذا على سبيل الاختيار، ولم يوجبه.
• دليل من قال: إن ظهر الصواب عن قرب بنى:
هذا القول بناه صاحبه على أن اليسير في الشريعة مغتفر، كما اغتفر فقهاء