ثانيًا: أن المزي في تهذيب الكمال (٧/ ٢٦٩) قال: «قد اشترك في الرواية عن الحمادين جماعة، وانفرد بالرواية عن كل واحد منهما جماعة، إلا أن عفان لا يروي عن حماد بن زيد إلا وينسبه في روايته عنه، وقد يروي عن حماد بن سلمة فلا ينسبه .... ». إلخ كلامه ﵀. فهنا المزي ﵀، وقد عرف بالتتبع، يقول: إن عفان لا يروي عن حماد بن زيد إلا وينسبه، فلما لم ينسبه في رواية أحمد عن عفان عن حماد، علمنا أنه حماد بن سلمة. وجه ثالث: أن عفان لو رواه عن حماد بن زيد لذكرها أصحابه، وأشار إليها العلماء المتقدمون، فكونها لا تأتي إلا في هذا الإسناد النازل، دليل على عدم ثبوتها. رابعًا: أن حماد بن زيد قد روى الحديث، وروايته مشهورة من غير هذا الطريق، فقد رواه أبو داود (٦٤٢) قال: حدثنا محمد بن عبيد، حدثنا حماد بن زيد، عن أيوب، عن محمد بن سيرين، أن عائشة ﵂ نزلت على صفية أم طلحة الطلحات، فرأت بنات لها فقالت: إن رسول الله ﷺ دخل، وفي حجرتي جارية، فألقى إليها حقوه، وقال لي: شقيه بشقتين، فأعطي هذه نصفًا، والفتاة التي عند أم سلمة نصفًا، فإني لا أراهما إلا وقد حاضتا. وهذا إسناد منقطع؛ ابن سيرين لم يسمع من عائشة. وجاءت لهذا الطريق متابعة من هشام بن حسان: فرواه ابن أبي شيبة (٦٢١٤)، قال: حدثنا أبو أسامة، عن هشام، عن محمد، أن عائشة قالت: وذكر القدر المرفوع من الحديث. فهنا أيوب، وهشام بن حسان يخالفان قتادة، فيرويانه عن ابن سيرين، عن عائشة منقطعًا. بينما حماد بن سلمة، رواه عن قتادة، عن ابن سيرين، عن صفية بنت الحارث، عن عائشة متصلًا، ولا أراه إلا من حماد بن سلمة، ورواية هشام وأيوب عن ابن سيرين أرجح، لما يلي: أولًا: أن هشام بن حسان من أثبت الناس في ابن سيرين، وقد تابعه أيوب (ثقة). ثانيًا: أن حماد بن سلمة قد تغير حفظه، ولذلك قال البيهقي كما في التهذيب: «هو من أئمة المسلمين، إلا أنه لما كبر ساء حفظه، فلذا تركه البخاري -يعني: في الاحتجاج- وأما مسلم فاجتهد، فأخرج من حديثه عن ثابت ما سمع منه قبل تغيره، وما سوى حديثه عن ثابت لا يبلغ اثني عشر حديثًا أخرجها في الشواهد». اه وحاول المعلمي ﵀ أن يدفع عنه تهمة التغير، فقال في التنكيل (١/ ٢٤٢): «هذا -يعني: ما كان من تغيره- لم يذكره إلا البيهقي، والبيهقي أرعبته شقائق أستاذه ابن فورك المتجهم، الذي حذا ابن الثلجي في كتابه الذي صنفه في تحريف أحاديث الصفات، والطعن فيها». ثم ساق كلام البيهقي الذي نقلناه آنفًا، وقال: «وأما التغير فلا مستند له». قلت: اعتقاد أن البيهقي قال ذلك تقليدًا لشيخه الخلفي ظن لا يعتمد على دليل، ولم ينفرد البيهقي بذلك، بل قاله أبو حاتم في الجرح والتعديل، ولم ينقله ابن حجر ولا المزي في ترجمة حماد بن سلمة، بل ذكرا ذلك في ترجمة أبي الوليد الطيالسي. قال ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (٩/ ٦٦): «سئل أبي عن أبي الوليد، وحجاج بن المنهال، فقال: أبو الوليد عند الناس أكثر، كان يقال سماعه من حماد بن سلمة فيه شيء، كأنه سمع منه بآخرة، وكان حماد ساء حفظه في آخر عمره». اه إلا أنه يشكل على هذا الوجه الأخير أنه قد رواه عنه عفان، وعفان من أثبت أصحاب حماد. =