(٢) وقد تعمدت أن أترك البحث في عورة النظر في حق الكبيرة؛ لأنه مزلق خطير، وباب شهوة، يستغله أهل الأهواء، ودعاة الفتنة، ليلجوا منه إلى باب لا يقفون عنده إلى كشف الوجه، فلم أنشط لبحث المسألة، ولم أتطلع إلى بحثها، ولا إلى معرفة الراجح منها، ولا يضير طالبَ العلم أن يكون جاهلًا في بعض المسائل كهذه المسألة، وكالخلاف الواقع بين الصحابة رضوان الله عليهم، لعلمه بالإجماع على حقيقتين في هذه المسألة: إحداهما: أن العمل عند المسلمين كان على غطاء الوجه، وكان الخلاف نظريًّا حتى وقعت البلاد الإسلامية تحت تأثير حكم الاستعمار. والثانية: للإجماع على مشروعية ستر الوجه، وأن المرأة المنتقبة خير من المرأة الكاشفة للوجه إلا في حق امرأة كبيرة لا تُشْتَهَى، أو صغيرة لا تطيق الشهوة. لهذا لم أحب أن أكتب سوادًا في بياض أخشى عاقبته، وقد يطير به من لا يهمه الحق، وإن كنت ألتمس العذر لأهل العلم من المعاصرين ممن تكلم في هذه المسألة، ومن خاض فيها من طلبة العلم فإني أصون لساني عن الكلام في نياتهم، ولا أوافقهم على تقحم الاجتهاد فيها، وكل سيتحمل مسؤولية كلامه، ولم أترك البحث فيها خشية تسلط العامة أو الخاصة، فمن قرأ بحوثي أدرك أني أتكلم في الأحاديث وفي مسائل العلم بالترجيح مما أقطع معه أنه لا يوافق عليه كثير من طلبة العلم، وإذا تكلم الإنسان بالاجتهاد فلا يضيره أن يوافقه، أحد أو يخالفه، فكل نفس بما كسبت رهينة، والله سوف يسألنا، ولن يُسْأَلَ أحدٌ عن عملي، ولن أُسْأَلَ عن عملهم، وكل من تكلم في حقي بخطأ فهو في حل مني حتى لو كان الحامل عليه دافعًا شخصيًّا، فإن العفو أحظ النصيبين يوم القيامة، والله المستعان، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.