فكل مصلٍّ يصلي عن نفسه، لا تضره نية غيره، فكما أن المقيم إذا صلى خلف مسافر صلى صلاة مقيم، ولا تضره مخالفة الإمام، فكذلك المسافر إذا صلى خلف مقيم، يصلي فرضه.
ونوقش هذا من وجهين:
الوجه الأول:
أن هذا القول مبني على أن القصر فرض، وقد ناقشت في مسألة مستقلة حكم القصر، والجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة على أن القصر سنة خلافًا للحنفية، والحنفية الذين قالوا: بوجوب القصر يوجبون على المسافر إذا صلى خلف المقيم أن يصلي أربعًا، ولو اقتصر على ركعتين فسدت صلاته، وعليه فالأئمة الأربعة يذهبون إلى وجوب الإتمام إذا صلى المسافر خلف المقيم وأدرك معه ركعة.
الوجه الثاني:
أن حديث عائشة (فرضت الصلاة ركعتين ركعتين) ليس على ظاهره؛ لمعارضته ظاهر القرآن، في قوله تعالى: ﴿فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ﴾ أي: تقصروا من الأربع، فلو كان فرض المسافر ركعتين لما صح وصفها بأنها مقصورة.
ولمخالفته حديث عمر بن الخطاب:(صدقة تصدق الله بها عليكم) يعني قصر الرباعية، ومخالفته حديث:(إن الله وضع عن المسافر شطر الصلاة)، فلا يضع إلا ما كان ثابتًا قبل أن يضعه.
ولمعارضته حديث ابن عباس في مسلم:(فرض الله الصلاة على لسان نبيكم ﷺ في الحضر أربعًا، وفي السفر ركعتين، وفي الخوف ركعة)(١).
وهذه الأحاديث صحيحة، وسبق تخريجها عند الكلام على حكم القصر، وهي أقوى في الحجة من خبر عائشة؛ لأنها أخبار نصًّا عن النبي ﷺ، بخلاف قول عائشة فيحتمل أنه من فقهها وتأويلها؛ لكون عائشة قد خالفته فكانت تتم في السفر.
(١) صحيح مسلم (٥ - ٦٨٧)، وسبق تخريجه في مسألة حكم القصر.