له فيها الترخص لا يحق له الترخص؛ لأنه لم يقصد مسافة يباح له فيها الترخص حتى يباح له القصر بمجرد مفارقة عمران القرية.
ولأنه إذا عزم على الرجوع فالمسافة المتبقية عليه تبيح له الترخص، فكذلك المسافة التي قطعها.
ولأن الحكمة من قصر المسافر هو المشقة، والهائم إذا قطع تلك المسافة التي تبيح القصر فإن المشقة تلحقه.
والفرق بين الهائم وغيره: أن الهائم لا يباح له الترخص بمجرد مفارقة العمران حتى يتحقق من قطع تلك المسافة التي تبيح القصر، بخلاف غير الهائم فإنه لما قصد مسافة القصر أبيح له القصر من حين مفارقة العمران، فإذا كانت نية قطع المسافة تبيح له الترخص فمن باب أولى أن يكون قطع المسافة حقيقة تبيح الترخص؛ لأنها أبلغ من مجرد نية قطع المسافة؛ لأن نية قطع المسافة مظنة القطع، فقد يقطع المسافة، وقد يعرض له مانع يمنعه من إكمال سيره فيدخلها الفسخ بخلاف الهائم إذا تحقق له قطع مسافة القصر، فلا يدخلها الفسخ.
ولهذا قال الإمام إسحاق:«إذا خرج في طلب غريم له أو ما أشبهه فإنه لا يقصر الصلاة حتى يكون سفره أربعة برد وهو ستة عشر فرسخًا»(١).
فهذا لم يقصد مسافة تقصر فيها الصلاة، ومع ذلك لما تحقق من قطع مسافة القصر أباح الإمام إسحاق له القصر، فكذلك الهائم وطالب الشارد ونحوهما.
ويرد على هذا:
بأن الجمهور لا يبيحون الترخص إلا إذا عزم من أول خروجه على قصد مسافة يحق له فيها الترخص، فما دام أن انتقاله من مكان إلى مكان ليس مرتبطًا بهذا العزم، لم يتحقق له السفر، ولم يُبْنَ بعضُ سيره على بعض.
قال الكاساني: «لأن الإنسان قد يخرج من مصره إلى موضع لإصلاح الضيعة ثم تبدو له حاجة أخرى إلى المجاوزة عنه إلى موضع آخر ليس بينهما مدة سفر ثم وثم