وتولى عقوبتهم الأمير بيبرس الجاشنكير، وَقَرَّرَهم على من كان سببًا في قتلة الأشرف خليل، ثُم قطعوا أيديهم وأرجلهم وسمروا على الجمال، وَطافُوا بهم في القاهرة، وكان لهم يوم مشهود لم يُسمع بمثله، ثم وسطهم في سوق الخيل.
ثُم بعد ذلك قبضوا على الصاحب شمس الدين ابن السلعوس، فتسلمه الشجاعي ولا زَالَ يَعصَره وَيَضربه حتى مَاتَ تحت الضرب في يوم الأحد خامس عشر من السنة المذكورة، وأحاط على جميع موجوده هُوَ وَعِيَالَهُ وأقاربه وحاشيته، واستصفى أموالهم جميعها.
وكَانَ الصاحب شمس الدين ابن السلعوس لما رَقَى في دولة الأشرف خليل، كما تقدم، أرسل يطلب أقاربه، وكانوا بالشام فكلهُمْ أجَابُوهُ إلى الحضور إلا شخصا من أقاربه؛ فإنه خاف على نفسهِ، وَلَمْ يُوافق على الحضور إلى مصر، وكتب إلى ابن السلعوس، وَهُوَ يَقُولُ هَذِهِ الْأَبْيَاتِ وَهُما:
تَنْبِيه يَا وَزِير الملك وَاعْلَم … بأنك قد وطئت على الأفاعي
فكان الفال بالمنطق، وتسلم الشُجاعي ابن السلعوس، وضربه حتى مَاتَ تحت الضرب، كما تقدم.
ثم إِنَّ الشُجاعي لما صفا له الوقتِ ورأى السلطان صغير السن، فصار يرمي الفتن بين الأمراء وبين الأمير كتبعًا النائب، فصَارَ مَع كتبغا فريق من العسكر ومع الشجاعي [٢٦/ ١] فريق.
وقيل: أن الشجاعي أنفق على المماليك البرجية في يومٍ واحدٍ ثمانين ألف دينار، واتفق مَعهُمْ أنّ "كل من قتل أميرًا وَجاءَ برأسهِ، يُعطيه إقطاعه"، فلما بلغ الأمير كتبعًا ذلك اجتمع بأعيان خشداشينه، ولبس آلة الحرب، ووقف في سوق الخيل، فلما عَلمَ الشُجاعي بذلك غلق باب القلعة، وعلق الصنجق السلطاني، وَدَقَ الكوسات حربي، وبقي مُنتظرًا من يطلع إليه من الأمراء، فلم يطلع إليه أحد منهُمْ، وَصَارَ الأمير كتبعًا يُحاصر القلعة، وقطع عنها الماء.
(١) بحر الوافر؛ البيتان لأحمد بن عثمان أخو محمد بن السلعوس. (انظر: المقفى الكبير ١/ ٣٢٠. الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة (١/ ٢٣٤). وجاء الشطر الأول من البيت الأول مختلفًا في المصادر، (انظر: المختصر في أخبار البشر ٤/ ٣١. تاريخ ابن الوردي ٢/ ٢٣٢. الوافي بالوفيات ٤/ ٦٥. النجوم الزاهرة ٨/ ٥٤).