للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

البريد من يومئذ مع جملة ما بطل من شعار المملكة، وكان إبطاله في سنة ثلاث وثمانمائة.

وكان خيل البريد عبارة عن مراكز بين القاهرة ودمشق، في كل مركز عدة خيول تُعرف بخيل البريد، وعندها رجال يعرفون بالسواقين، ولا يقدر أحد يركب من خيول البريد، إلا بمرسوم سلطاني؛ وكان عند كل مركز ما يحتاج إليه المسافر من زاد وعلف وغير ذلك، وهذا كله لأجل سرعة مجيء الأخبار من البلاد الشامية إلى القاهرة بسرعة، وفيه يقول بعض الشعراء:

يوما بمصر ويوما بالحجاز ويو … ما بالشام ويوما في قرى حلب (١)

وقال الشيخ زين الدين ابن الوردي (٢) في الملك الظاهر بيبرس:

الملك الظاهر آثاره … مُعجبة الراحل والقَاطِن (٣)

تأملوا أخباره وانظروا … ما فعل الظاهر بالباطن (٤)

ولما مات الملك الظاهر بيبرس كتم الأمير بدر الدين بيليك موته عن العسكر، فإنه مات في بعض الأسفار خارجًا عن دمشق، فكتم موته وحمله في محفة إلى أن دخل إلى دمشق، فجعله في تابوت وعلقه في بيت وأظهر أنه مريض، ورتب حضور الأطباء على عادتهم.

ثم أخذ الأمير بيليك خزائن المال، وقصد التوجه إلى نحو الديار المصرية، فحمل معه محفة في الموكب، وجعل قدامها الجنائب، وهي محترمة لا يجسر أحد أن يقرب إليها ولا يتفوه بموت السلطان، واستقر الأمير على ذلك إلى أن دخلوا إلى قلعة الجبل بالقاهرة، فعند ذلك أشيع موت السلطان.

وقيل: أنه دُفن بدمشق، رحمة الله عليه، ولما مات الملك الظاهر تولى من بعده ابنه محمد الملك السعيد.


(١) بحر البسيط؛ البيت لسيف الدولة المهمندار (انظر: كنز الدرر ٨/ ٢١٢. السلوك لمعرفة دول الملوك ٢/ ٩٨). في بدائع الزهور ١/ ١/ ٣٣٢:
"يوما بمصر ويوما بالشام ويو … ما بالفرات ويوما في قرى حلب".
(٢) هو عمر بن مظفر بن عمر بن محمد بن الوردي المعري الكندي، شاعر أديب مؤرخ، ولد في معرة النعمان بسورية سنة ٦٩١ هـ، ت ٧٤٩ هـ، ومن كتبه "ديوان الشعر" و "تتمة المختصر" وغيرها. (انظر: فوات الوفيات ٣/ ١٥٧ - ١٦٠. النجوم الزاهرة ١٠/ ٢٤٠).
(٣) في بدائع الزهور ١/ ١/ ٣٤١: "الملك الظاهر أخباره * تشمل للراحل والقاطن".
(٤) بحر السريع.

<<  <   >  >>