للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وفيها: أخرج السلطان تجريدة إلى مدينة سيس (١)، وكان باش العساكر الأمير عز الدين بيدغان المعروف بسم الموت، وقلاوون الألفي، وجماعة من العسكر، فتوجهوا إلى هناك ففتحوا مدينة سيس وقلعة اياس (٢) وعدة قلاع ورجعوا إلى الديار المصرية.

ثم دخلت سنة خمس وستين وستمائة فيها أبطل السلطان ضمان الحشيش والنبيذ والبزر، وأمر بإراقة الخمور، وخراب بيوت المسكرات، ومنع الحانات من الخواطئ، واستتوب العلوق واللواطي، وعم هذا الأمر سائر جهات الديار المصرية والبلاد الشامية، فطهرت في أيامه تلك البقاع من جميع ما كان من المنكرات وحرج على ذلك غاية التحريج.

ثم أحضروا إليه في أثناء هذه الواقعة بشخص يسمى الكازروني وهو سكران، فأمر بصلبه فصلب، وعلقت الجرة في عنقه، فلما عاينوا ذلك أرباب المجون والخلاعة، فأمتثلوا أمره بالسمع والطاعة، وفي ذلك يقول الشيخ شمس الدين ابن دانيال (٣):

لقد كان حد السكر من قبل صلبه … خفيف الأذى إذ كان في شرعنا جلدا

فلما بدا المصلوب قلت لصاحبي: … ألا تب فإن الحد قد جاوز الحد (٤)

قال الشيخ شمس الدين ابن دانيال الحكيم، رحمة الله عليه: "لما قدمت من الموصل إلى الديار المصرية في الدولة الظاهرية، سقى الله عهدها، وأعذب مشارب وردها، فوجدت تلك الرسوم دارسة، ومواطن الأنس بها غير آنسة، وأرباب المجون لذلك عابسة، ومن الخلاعة واللهو آيسة، وقد هزم أمر السلطان جيش الشيطان، وتولى الحراني والي القاهرة، أهراق الخمور،


(١) عامة أهلها يقولون سيس؛ وسِيسِيّةُ: بلد هو اليوم أعظم مدن الثغور الشامية بين أنطاكية وطرسوس على عين زربة، وهي اليوم مدينة في تركية في إيالة أطنة، وهي بلدة كبيرة ذات قلعة بأسوار ثلاثة على جبل مستطيل. (النجوم الزاهرة، ابن تغري بردي، ٧/ ١٢٥ هامش ٤).
(٢) مدينة على الشاطئ الجنوبي الشرقي لآسيا الصغرى كان الميناء الرئيس لمملكة أرمينية الصغرى في فيليقية، وهي المملكة التي وقعت في ذلك الدور تحت سيطرة دولة المماليك. (السلوك ٣/ ١/ ١٥٠).
(٣) هو محمد بن دانيال بن يوسف الخزاعي الموصلي، الحكيم الكحال، الأديب، صاحب كتاب " طيف الخيال "، ت: ٧١٠ هـ. فوات الوفيات ٣/ ٣٣٠ رقم ٤٤٣).
(٤) بحر الطويل؛ البيتان في فوات الوفيات ١/ ٢٤٥. الوافي بالوفيات ١٠/ ٢١٤. بدائع الزهور القسم الأول ١/ ٣٢٦. خيال الظل وتمثيليات ابن دانيال ص ١٥٠.

<<  <   >  >>