للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فلما طلع إلى القلعة قيد المقر السيفي خير بك والشهابي أحمد بن العيني واستمروا في الترسيم، فكان أمر خير بك الدوادار كما يقال: "من طلب الشيء قبل أوانه، أورثه الله حرمانه".

وأما السلطان تمربغا فأدخلوه إلى قاعة البحرة، وهو في غاية العز والعظمة، وجلس قايتباي على سرير الملك، فكان كما يقال في المعنى:

الرزق في الوجود للمرء ملتزم … ما هو المن سمى إلا لمن قسم (١)

فكانت مدة الظاهر تمربغا في السلطنة بالديار المصرية شهرين إلا يومان، فكان الآخر كما قال القائل في المعنى:

لم أستتم عناقه لقدومه … حتى ابتدأتُ عناقه لوداعه (٢)

ولم يُعلم واحد من ملوك الترك خلع من السلطنة وهو في هذا السن في أقل من هذه المدة سوى الظاهر يلباي، والظاهر تمربغا، فما كان أغناهما عن هذه السلطنة.

فلما دخل الظاهر تمربغا إلى البحرة، أقام بها أيامًا، وهو في غاية التكريم والعز، ثم رسم له السلطان بأن يتوجه إلى دمياط، فخرج تحت الليل من غير تقييد ولا أوجاقي خلفه كما جرت به العادة، فلما وصل إلى دمياط لم يسجن بها، وصار يركب ويتنزه في غيطان دمياط.

وأما الأمير خير بك فأرسله السلطان إلى السحن بثغر الإسكندرية وهو مقيد، فأقام في السجن مدة ثم نقله بعد ذلك إلى مكة، فأقام بها مدة ثم نقله إلى القدس، فأقام به مدة ومات.

وأما المقر الشهابي أحمد بن العيني فأن السلطان صادره، وأخذ جميع أمواله وبركة، وضربه علقة في الدهيشة، ولم ينفيه فأقام بالقاهرة، وهو بطال.

وأما بقية الخشقدمية فنفى السلطان منهم جماعة في أماكن مفرقة، واستمر الأمر على ذلك مدة يسيرة.

ثم جاءت الأخبار من دمياط بأن الملك [١/ ٢٢١] الظاهر تمربعا تسحب من دمياط، وكان صحبته شيخ العرب محمد بن عجلان، فتوجه به من على ساحل


(١) بحر البسيط؛ لم يرد في بدائع الزهور.
(٢) بحر الكامل؛ والبيت لأبي الفتح كشاجم (انظر: الإعجاز والإيجاز ٢١١).

<<  <   >  >>