للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يَا غَادِرًا بي ولم أَعْدُر بصحبتهِ … وَكانَ منّى مكان السمع والبصر

قد كنتُ من قلبك القاسي أخافُ جَفا … فجاء مَا قَلتَهُ نُقشا على حجر (١)

قال الشيخ تقي الدين ابن حجة الشاعر: "أنشدت مولانا السلطان الملك المؤيد شيخ أعز الله أنصاره قصيدة، وقد كُسر النيل المُبارك في أوائل مسري. وكان قد عزم إلى التوجه إلى دمشق بسبب عصيان نُورُوز، فكان ما أنشدته وهو قولي (٢):

أيا ملكًا بالله صار مؤيدًا … ومنتصبًا في ملكه نصب تمييز

كسرت بمسرى سد (٣) مصر وتنقضي … وحقك بعد الكسر أيام نيروز (٤)

فكان الفأل بالمنطق، وكسر نُورُوز في تلك السنة.

فلما توجه المؤيد شيخ إلى دمشق، وقتل نُورُوز وانتصر عليه، فقصد التوجه إلى نحو الديار المصرية، ثم أخَلعَ عَلى المقر السيفي أينال الصلاني واستقر به نائب حلب؛ وأخلع على المقر السيفي سودون من عبد الرحمن واستقر به نائب طرابلس؛ وأخلع على المقر السيفي تاني بك البجاسي واستقر نائب حماه، ومهدَ جَهات مملكته، ورحل عن دمشق، وقصد التوجه إلى نحو ديار مصر، وهو في غاية النصر والعز؛ فدخل إلى القاهرة، وهو في موكب عظيم، وحملت القبة والطير على رأسه، حتى طَلَعَ إلى قلعة الجبل.

فلم تمضي عليه نحو سنة حتى جاءت إليه الأخبار بأن النواب المقدم ذكرهم عصوا أجمعين، وخرجوا عن الطاعة، فجرَّدَ إليهم الملك المؤيد شيخ ثانيًا، وخرج بنفسه وتحارب مع النواب فانتصر عليهم، وقبض على أينال الصلاني نائب حلب، وعلى قانباي المحمدي نائب دمشق فقطع رؤوسهم، وهرب من بقي من النواب إلى عند قرا يوسف (٥) أمير التركمان؛ ثم رجع إلى نحو الديار المصرية، وقدْ مَهدَ البلاد الشاميّة والحلبيّة، واستقر بجماعةٍ مِنَ الأمراء نوابًا عُوضًا عن من قُتل منهم.


(١) بحر البسيط؛ البيتان لجمال الدين ابن نباته. (انظر: خزانة الأدب ١/ ٤٣).
(٢) الخبر في: (خزانة الأدب ٢/ ٢٨٩)
(٣) في خزانة الأدب ٢/ ٢٨٩ وقهوة الأنشاء ٨١: "نيل".
(٤) المسرى المجرى النيروز: عيد الربيع عند الإيرانيين ويصادف رأس السنة الفارسية. (انظر: خزانة الأدب ٢/ ٢٨٩ هامش ١)؛ بحر الطويل.
(٥) هو قرا يوسف بن قرا محمد بن بيرخجا التركماني (انظر: الضوء اللامع ٦/ ٢١٦).

<<  <   >  >>