للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكان القائم في سلطنة الخليفة المقر السيفي نوروز الحافظي، فطلبوا الخليفة ليسلطنوه، فأمتنع من ذلك غاية الامتناع، فلا زالوا عليه حتى سلطنوه على كره منه؛ بعد أن أشْرَطَ عليهم شروطًا كثيرة، منها: أنه إذا خُلع من السلطنة يكون خليفة كما كان في الأول، فأجابوه إلى ذلك.

وأحضروا له خلعة السلطنة فلبسها، وَبَاسُوا لَهُ الأمراء الأرض، واستقر بالأمير نوروز نائب الشام، وبالأمير شيخ المحمودى أتابك العساكر [٣\ ١٨] بالديار المصريّة، واتفقوا على أنَ نوروز يضع يده على البلاد الشامية والحلبية من الفرات إلى غزة، ومن غزة إلى مصر وأعمالها يكون تحت حكم الخليفة، فتراضوا على ذلك.

ثم إن الخليفة والأتابكي شيخ والعسكر قصدوا التوجه إلى نحو الديار المصرية، فخرجوا من الشام، والخليفة في غاية العظمة والعزّ، وأطاعوه سائر الأمراء والعسكر، فلما دخل إلى القاهرة هُوَ وَالأتابكي شيخ فطلع الخليفة إلى القلعة، وسكن بها كعادة السلاطين، وسكن الأتابكي شيخ في باب السلسلة.

فكان الأمراء إذا فرغوا من خدمة الخليفة بالقصر، نزلوا إلى خدمة الأتابكي شيخ، ويقع بين يديه الابرام والنقض والحل والعقد، وكان الأتابكي شيخ لا يُمكن الخليفة العباس من كتب العلامة على المراسيم، والمربعات (١)، والمناشير، إلا بعد أن تُعرض عليه، واستمر الأمر على ذلك مُدّة يسيرة.

ثم إن الأتابكي شيخ بدا له أن يتسلطن، ويخلع الخليفة العباس من السلطنة، فجمع القُضَاةِ الأربعة وكتب محضرًا: بأن الفساد قد كثر في البر والبحر، وَزَادَ شر العُربان في البلاد، وخرجوا عن الطاعة وَفَسَدَتْ الأحوال؛ وَأَنَ الوقت محتاج لإقامة سُلطان تُركي، ليدفع بسطوته الفساد وتنصلح الأحوال على يديه".

فعند ذلك حملوا القضاة بخلع الخليفة من السلطنة، فخلعوه من غير اختياره من السلطنة، وتولى الأتابكي شيخ سُلطَانٍ، ثم لما خُلِعَ الخليفة من السلطنة استمر في القلعة مُحتفظًا به مُدّة يسيرة، وهو في الخلافة دون السلطنة، ثم خلعه


(١) وهي إقطاعات ضمن ديوان الجيش، تكتب على ورقة مربعة وبترتيب معين. (راجع: صبح الأعشى ج ١٣ ص ١٥٥. والتعريف بمصطلحات الصبح (٣٠٧).

<<  <   >  >>