للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المقعد الذي في الأسطبل، فلما ركب قام له الظاهر برقوق، وعضده حتى ركب، وبالغ في تعظيمه، فدعوا له الناس، ثم إن الظاهر برقوق لبس خلعة السلطنة من الأسطبل، وطلع إلى القصر الكبير من باب السرّ، وجلس على سرير الملك.

ولما طلع الملك المنصور من الأسطبل السلطاني توجه إلى دور الحرم، فدخل إليها وهو في غاية التعظيم، بخلاف من تقدمه من أقاربه، فلما دخل إلى قاعات الحرم أقام بها مُحتفظاً به، وهو آخر من تولى السلطنة من بني قلاون، وبه قد زال ملكهم كأنه لم يكن، فسبحان من لا يزول ملكه ولا يتغير.

ومن غريب الاتفاق أن أول من تولى منهم قلاون، وكان لقبه المنصور، وآخر من تولى منهم أمير حاج، وكان لقبه المنصور، والمنصور قلاون أخذ الملك من أولاد الملك الظاهر بيبرس البندقداري، والملك الظاهر برقوق أخذ الملك من أولاد الملك المنصور قلاون، فكان كما قيل:

وفي المثل قد قالوا … كما تدين تدان (١)

فكانت مُدّة سلطنة الملك المنصور أمير حاج، وهي السلطنة الثانية ثمانية أشهر وستة عشر يوما إلى يوم خلعه، وهو نازل بشقحب.

ولما حضر إلى القاهرة أقام بقلعة الجبل داخل دور الحرم إلى أن مات بها في ليلة الأربعاء تاسع عشر شوال سنة أربعة عشر وثمانمائة في دولة الملك الناصر فرج بن الظاهر برقوق، وذلك في أواخر دولته، ودفن في تُربة جدته خوند بركة التي في التبانة، ومات وله من العمر نحو سبعة وأربعين سنة.

وقيل: مات وهو مُقعد في الفراش وقد حصل له ذلك من طربته من الظاهر برقوق لما كبسهم بمنزلة شقحب، وقد قال القائل في المعنى:

أصبر لدهر نال منك … فهكذا مضت الدُهُورُ

فرحًا وَحُزنًا تَارة … لا الحزن دَامَ وَلَا السُّورُ (٢)


(١) بحر المجتث؛ لم يرد في بدائع الزهور.
(٢) بحر مخلع البسيط.

<<  <   >  >>