للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فلما كانَ الظهر وقت القايلة أرسل المقر الزيني بركة إلى الأتابكي برقوق يَقُولُ له: "إيش أنت قاعد تعمل! أما تلاقيني أو الاقيك"، فأرسل إليهِ بَرقُوق يَقُولُ لَهُ: " اختر لك أي مكان نرسلك فيه نائبًا حتى تخمد هذه الفتنة"، فلما سمع بركة هذا الجواب فلم يوافق على النيابة.

وَكانَ ذلك اليوم نهار مُحرّ فأزندَتْ البرية على العسكر الذي كان مع الأمير بركة، فأشَارَ عليه بعض أخصائه بأن يركب في ذلك الوقت، وَقَالُوا لَهُ: "أَنَ العسكر الذي مع بَرقُوق في هذا الوقتْ مُقيل في البيوت، وهذه وقت غفلة"، فأركب وَأَحطِم إلى الرملة، فركب معهُ مِنَ العسكر في قُوة القايله (١)، وانقسموا فرقتين، فرقة في الطريق السالكة، وفرقة من تحت الجبل الأحمر.

فلما بلغ الأتابكي برقوق ذلك، فأرسل الأمراء والمماليك السلطانية إلى الفرقة التي فيها الأمير بركة الجوباني، فأتقعوا مع بركة فانكسر الأمير بركة الجوباني، وهربَ وَتَشتَّتَ مَنْ كانَ معه من الأمراء والمماليك، فساق بركة حتى خفى عن العيون، فقيل: أنه تقنطر من على فرسه فأختفى في مكان حتى دخل الليل.

وَأَمَا مَا كانَ من أمر الفرقة التي توجهت من تحت الجبل الأحمر فكان فيها الأمير يَلبُغَا الناصري، فتوجه إليه الأمير أيتمش البجاسي فأتقع معه فضرب أيتمش يَلبُغَا المنجكي بطبر كان معه على وجهه فسقط عن فرسه وانكسر منْ كان معه من العسكر، وأخذ أيتمش صنجقه وطبلخانته، وَجُرح مِنْ هذه الفرقة جماعة كثيرة، وقتل منهم طائفة كثيرة مِنَ المماليك والغلمان.

ثُمَّ إِنْ الأمير بركة أقام مختفى تلك الليل فتوجه تحت الليل ومعه شخص مِنَ الأمراء العشراوات يُقالُ لَهُ "أقبُغَا صِيوَان"، فأتى إلى جامع المقسي (٢) الذي في بَابِ البحر، فأختفى عند شخص من الصالحين يُقال له "الشيخ محمد القدسي".

فلما طلع النهار أرسل الأمير بركة إلى عند الأتابكي بَرقُوق يُعرَّفوهُ أَنهُ مُقيم في جامع المقسي، فأرسل إليه بَرقُوق الأمير الطنبغا الجُوبَاني والشرفي يونس


(١) كذا في الأصل.
(٢) جامع بالمقس بباب البحر وهو المعروف بالجامع الأنوار، بناه الحاكم بأمر الله في سنة ٣٩٣ هـ، وجدده الوزير الصاحب شمس الدين عبد الله المقسي في سنة ٧٧٠ هـ، فصار العامة يقولون: جامع المقسي.
(انظر: صبح الأعشى ٣/ ٣٦٥؛ الخطط المقريزية ٤/ ٦٨؛ النجوم الزاهرة ١١/ ١٧٨ هامش ١).

<<  <   >  >>