للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَكَانَ الملك المنصور هَذَا يميل إلى اللهو والطرب، وشرب الراح، وَكَانَ لَهُ جوار مغاني جوقة كاملة نحو عشرة جوار شود، تُعرف بمغاني المنصور، وَكَانَ رَاضيًا بأرغد العيش الطيب، وحُبّ السماع الحسن.

وهو آخرُ من أقنى الجوار المغاني، يَرْفُونَ بالطَّارَاتِ عند الصباح والمساء، وكانتْ هَذهِ عَادة الملوك والأكابر، يَقنُوا عندَهُم الجوار المغاني، وأخر منْ كانَ يفعل ذلك من الأكابر الأمير محمود الأستادار العالية، ثُم من بعده بطل ذلك مع ما بطل من محاسن عيشة الأكابر بالديار المصرية.

ثُمَ إنّ الملك المنصور أقام على ذلك، وهو في دور الحرم مختفي إلى أن مَاتَ في ليلة السبت تاسع المُحرم إحدى وثمانمائة، وَمَاتَ وَلَهُ مِنَ العُمر نحو خمسة وخمسين سنة (١)، وَدُفنَ في تُربة جدته أم أبيه خوند طغلي، عند الباب المحروق، وَلمَا مَاتَ خلف عِدَّة أولاد ذكور وَأَنَاث، وَكانَ قانعًا بِمَا هُوَ فِيه من أرغد العيش الطيب، كما قَالَ القَائِلُ في المعنى:

كُلِّ الْمُلُوكِ تسطُوا بِالْمَلِكِ وَالسّلاح … ونا قنعتُ مِنْهُ بِالرَّاحِ والملاح (٢)

وقال آخر في المعنى:

قَالُوا رَأَيْنَاكَ كلَّ وَقتِ … تهيم بالشرب والغنَاءِ

فقلتُ إني أمرء (٣) قنُوعٌ … أعيش بالماء والهواء (٤)


(١) في جواهر السلوك ٢٠٥: "نحو خمسين سنة".
(٢) الموشحة؛ في مورد اللطافة ٩٦/ ٢ والنجوم الزاهرة ٤٥/ ١٣.
(٣) في فوات الوفيات ٥٩/ ٤: "فتى".
(٤) بحر مخلع البسيط؛ البيتان لمجير الدين ابن تميم الإسعردي. (انظر: فوات الوفيات ٥٩/ ٤. خزانة الأدب ٢/ ٨٠).

<<  <   >  >>