وفي هذه السنة: توفي الملك الأشرف كجك وهو في دور الحرم من حينٍ خُلع من السلطنة، كما تقدم.
ثم دخلت سنة سبع وأربعين وسبعمائة، فيها جاءت الأخبار من البلاد الشامية بأن يلبغا اليحياوي نائب الشام خامر على السلطان وأظهر العصيان.
فلما كان يوم الجمعة اجتمع الأمراء كلهم في القلعة، فقرأ عليهم السلطان ما ورد من الأخبار، بسبب عصيان نائب الشام، فاتفق رأيهم بأن يرسلوا الأمير منجك اليوسفي لكشف الأخبار، فتوجه إلى دمشق، ثم إن السلطان أعرض العسكر، وقصد التوجه إلى قتال نائب الشام.
فلما كان يوم السبت طلب السلطان أخويه وهما حَاجِي وَحُسِين، إِلَيهُمَا سُرُورٍ الزيني، وَقالَ لَهُمَا:"أحضروا إلى عند السلطان"، فَقَالُوا:"نحن شربنا اليوم دَوى، ولا نستطيع الحضور في هذا اليوم".
ثم إن السلطان أرسل إليهم الزمام صواب الطُّولُوني، وَقالَ لَهُ:"قل لهم بأنْ يَحضَرُوا وَالخيرة لهُمْ"، فابوا عن الحضور، وَقالُوا:"أصبروا علينا إلى أن نتعافًا، ونحضر إلى بين يدي السلطان".
فلما رَدُّوا هذا الجواب، فغضبَ السلطان غضبًا شديدًا، وَقالَ أَرسلوا خلف الأمير أسندمُر الكاملي، والأمير قُطلوبغا الكركي، فَلمَا حَضَرَا، قَالَ السلطان لهُمَا:" طلبتُ أخوتى بأن يحضروا إلى عندي، فأبوا عن الحضور"، فقال الأمير أسندمر الكاملي لأرغون العلائي زوج أم السلطان:"أَدخُلْ أَنْتَ إِليهما وَأَخْرِجْهُمَا مِنْ عند أمهاتهما"، فدخل إليهما العلائي، وَأَخْرَجَهُمَا إلى عند مقام الرديني (١)، وَأُمهاتهما معهُمَا يَتبَاكُونَ.
فلما حضروا بين يدي السلطان باسُوا له الأرض، وَقَالُوا:"يَا مَولانَا السلطان لا تأخذ علينا، فإنّا كُنا شربنا دوى، ولنا أيام ونحنُ ضِعَاف"، فقال له السلطان:"تكذبوا ما أنتم إلا مُخامرين عليَّ"، فأخرج حاجي ختمة كانت معهُ وَحَلَفَ عليها "أنهُ مَا امتنع عن الحضور إلا كان ضعيفًا وشرب دوى"، فقَالَ لَهُ السُلطان:"ما هذا صحيح"، فحلفتْ أُمه وكشفت رأسها، وكذلك فعلتْ أُم سيدي حسين، فدفعهما السلطان واعتاظ عليهما، وَقَال:"أنتم نسَاء مَا لكم عقول".
(١) هو داخل قلعة الجبل بالقاهرة. ينسب إلى أبي الحسن بن مرزوق بن عبد الله الرديني الفقيه. (المواعظ والاعتبار ٣/ ٣٥٥).