للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فلما وصل إلى غزّة، جاءت الأخبار بأن التتار لما سمعوا بقدوم السلطان، رَحلُوا عن قلعة الرحبة، وتوجهوا إلى بلادهم، وأن نائب الرحبة (١) كبس عليهم وَكَسَرَهُمْ كسره قوية، فلما سمع السلطان بذلك قوي عزمه عَلَى أَنْ يُسَافِر مِنْ هناك إلى الحجاز الشريف، وقدْ سُميت هذه الغزوة «الكذابة».

ثم إن السلطان فرّق العساكر في البلاد الشاميّة والبلاد الحلبية، وتوجه السلطان إلى الكرك، ثُم توجه من هناك إلى الحجاز، وهذه الحجة الأولى، فحج السلطان في تلك السنة [٤٥/ ١] وَرَجع إلى دمشق في ثاني عشر المحرم من سنة ثلاثة عشر وسبعمائة، ثُم توجه إلى القاهرة فدخلها في ثالث عشر صفر من سنة ثلاثة عشر، وكانَ يَوم دُخُوله إلى القاهرة يومًا مشهودًا، وَزُينت له زينة عظيمة، وَكَانَ لَهُ مَوكبٌ عظيم.

وفي أثناء السنة الخالية وهي سنة اثنتا عشر وسبعمائة، فيها: كانت وفاة الشيخ نصير الدين الحمامي الشاعر، وَكانَ منَ الشُعراء المعدودة، وَلَهُ شعر جيد، فمن شعره لنفسه، وهو قوله:

لي منزل معروفه … يَنهَل غَيثا كالسُّحُبْ

أقبل ذا العذر به … وأكرم الجارُ الجُنب (٢)

وقوله:

وكدرت حمامي بغيبتك التي … تكثر من لذاتها صفو مشرب (٣)

فَمَا كَانَ صَدرُ الحوض مُنشرحاً بها … وما (٤) كَانَ قلب الماء فيها بطيب (٥)

ثُم دخلت سنة ثلاثة عشر وسبعمائة، فيها: عاد [السلطان] (٦) من الحجاز الشريف، فَأَقَامَ مُدّة يسيرة، ثُم سافر إلى بلاد الصعيد، بسبب تمهيد إقليم الصعيد من فسادِ العُربان، فضيّقَ عَليهم السلطان من البرّ الشرقي، ومن البر الغربي، حتى أسرَ العُربان جميعها، فصفدُوا في الحدّيدِ، وَحَمِلُوا في المراكب إلى القاهرة، فسجن منهُم جَماعة، واستعمل منهم جماعة في الحفير للجسور.


(١) في بدائع الزهور ١/ ١/ ٤٤٢: "نائب حلب".
(٢) بحر مجزوء الرجز.
(٣) في بدائع الزهور ١/ ١/ ٤٤٣ وخزانة الأدب ٢/ ٥٩: "تكدر فيها العيش من كل مشرب".
(٤) في خزانة الأدب ٢/ ٥٩: "ولا".
(٥) بحر الطويل.
(٦) في الأصل "السلطامن".

<<  <   >  >>