للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثم إن الملك المظفر بيبرس كتب كتابًا إلى الملك الناصر يترقق له فيه، ويسأله في مكان يتوجه إليه هو وعياله، أما الكرك، وأما صهيون، وَأَمَا حَماة.

ثم إن الملك المظفر نزل عن الملك، وأشهد على نفسه بالخُلع، وجهز الخلع والكتاب على يدي الأمير بيبرس الدوادار.

ومن عجائب الاتفاق أن الساعة التي ركب فيها الملك الناصر محمد من الشام وَهوَ قاصد نحو الديار المصريّة، كانت هي الساعة التي خلع فيها الملك المظفر بيبرس نفسه من الملك، فكانت كما يُقال سَاعة سعد؛ وَدَامَ فيها الملك الناصر في السلطنة إلى أنْ مَاتَ عَلى فِرَاشِهِ، كما سيأتي ذكره في موضعه.

فلما توجه الأميران المذكوران إلى عند الملك الناصر بكتاب الملك المظفر، كما تقدم، فأقام الملك المظفر بعد ذلك أيامًا، ثم دخل إلى الخزائن السلطانية، وَأَخذَ مِنَ المالِ مَا قدر عليه والتُحفِ وَالخَيُولِ والسلاح، وأخذ معه سبعمائة مملوك، وأخذَ صُحبته [١/ ٤١] الأمير بكتوت الفتاح، والأمير أيدمر الخطيري، والأمير قجماس.

فلما كان ليلة الأربعاء سادس عشر شهر رمضان من السنة المذكورة نزل المظفر بيبرس من القلعة بعد العشاء، من باب القرافة (١)، وأخذ من الاصطبل (٢) السلطاني عدة خيول من الخيول الخاص.

فلما بلغ العوام نزوله من القلعة، تجمعُوا لَهُ وَرَجمُوهُ، وَسبُوهُ سِبًا قبيحًا، فأنهُ كان أفحش في حقهمْ، وَشوَّش على جَماعةٍ منهم كما تقدم من ذلك؛ فلولا أنه أشغل العوام بنثر الفضة عليهم، وإلا كانُوا قتلُوهُ لَا مُحالة؛ فلما نزل من القلعة توجه إلى نحو أطفيح (٣)، وقصد بأن يتوجه إلى أسوان.

فلما أصبح الصباح، وأشيّع ذلك بين الناس، فخرج من بقي في القاهرة من الأمراء والعساكر طالبين الملك الناصر، وتأخر الأمير سلار في القلعة لحفظ القلعة وخزائن المال، ثم إن سلار أفرج عن الذين كان الملك المظفر أعتقلهم


(١) في بدائع الزهور ١/ ١/ ٤٣٠: "الدرفيل".
(٢) في الأصل الاسلطبل.
(٣) بلد بالصعيد الأدنى من أرض مصر على شاطئ النيل في شرقيه. وهي بمركز الصف بمحافظة الجيزة (معجم البلدان ١/ ٢١٨؛ القاموس الجغرافي ٣/ ٢/ ٢٥).

<<  <   >  >>