للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثم في أوائل دولتهِ جَاءتْ الأخبار من البلاد الحلبيّة بأن غازان بن أَرَغُون بن أبغا بن هلاكوا ملك التتار، قدْ وَصَلَ أوائل عسكره إلى الفُرات (١)، وهو في جمع كبير نحو مائة ألف (٢).

وسبب هذه الفتنة أن المنصور لاجين قصد يقبض على قفجق نائب الشام، فلما أحس قفجق بذلك هَربَ وتوجه إلى عند [٣٢/ ١] القانِ غَازَانِ، وَهيَّجه إلى الحضور إلى نحو البلاد الشامية، فلما بلغ السلطان والأمراء ذلك تجهزوا للخروج إليه، فأعرض السلطان العساكر، وعين الأتابكي بيبرس الجاشنكير بأن يتوجه قدام العسكر في الجاليش (٣).

ثم خرج السلطان بعد ذلك، وهو في عسكر عظيم، وكان خروجه في أوائل سنة تسع وتسعين وستمائة، وجدَّ في السير، فوصل إلى دمشق في ثامن ربيع الأول، وكانَ خُروج السلطان من مصر في نصف شهر صفر، وكان معه الخليفة الإمام أحمد الحاكم بأمر الله وَالقُضاة الأربعة، وسائر الأمراء والعسكر.

فنزل بقلعة دمشق، ثم رحل السلطان عن دمشق، فتلاقى مع عسكر التثار بالقرب من سلمية (٤) بمكان يُعرف بوادي الخازندار، فوقع بين عسكر مصر وبين عسكر التتار هناك وقعة عظيمة، لم يُسمع بمثلها، فعند ذلك انكسر العسكر المصري، وَهربَ السلطان الملك الناصر محمد في طائفة يسيرة من العسكر إلى نحو بعلبك، وقدْ نُهِبَ بَركة وبرك الأمراء والعسكر، وقتل من الفريقين ما لا يُحصى عَدَدَهُم.

فلما جَاءتْ الأخبار إلى دمشق بأن السلطان قد انكسر، فخاف أهل الشام على أنفُسِهِمْ مِنْ غَازَان، فاشتورُوا أعيان العُلماء بالشامِ عَلى الخروج إلى غازَان ليطلبوا منه الأمان، فخرج قاضي القضاة بدر الدين ابن جماعة الشافعي، والشيخ زين الدين الفارقي (٥)، والشيخ تقى الدين ابن تيميه، والقاضي نجم الدين


(١) في بدائع الزهور ١/ ١/ ٤٠٣: "البيرة".
(٢) كذا في جواهر السلوك ١٥٤؛ في بدائع الزهور ١/ ١/ ٤٠٣: "مائتي ألف مقاتل".
(٣) الراية العظيمة في رأسها خصلة من الشعر، ومعناها هنا الطليعة من الجيش. (انظر: صبح الأعشى، القلقشندي، ٤/ ٨؛ السلوك، المقريزي، ٣/ ١/ ٣١٠ هامش ٣؛ النجوم الزاهرة، ابن تغري بردي، ٧/ ١٠١ هامش ٣؛ العصر المماليكي، سعيد عاشور، ص ٤٠٣).
(٤) بين حماة ورفنيّة. (انظر: معجم البلدان ٣/ ٢٤٠ - ٢٤١).
(٥) هو عمر بن إبراهيم بن مسعود أبو حفص الربعي الفارقي أديب عصره، كتب في ديوان الإنشاء وخنقه لص في بيته بالظاهرية (بمصر) طمعًا بماله، كان عارفًا بالتفسير والأصول، له "المقدمة الكبرى" و"المقدمة الصغرى" في النحو، ت ٦٨٧ هـ. (انظر: فوات الوفيات ٣/ ١٢٩ - ١٣١).

<<  <   >  >>