للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قتله، فلما قُتل الأمير بيدرا، كما تقدم، وتولى الناصر محمد بن قلاون فاختفى لاجِين في مئذنة جامع بن طُولُون مُدّة طويلة، فنذر على نفسه إنْ نَجِي مِنْ هَذِهِ الشدّة يُعمر الجامع كما كانَ، فلما أعطاه الله تعالى السلطنة، فأمر بعمارته وذلك في شهر المحرم سنة سبع وتسعين وستمائة، ورتب له أوقافٌ، وَقرِّرَ بِهِ دِكة تكون في سطح الجامع؛ بسبب الميقاتية لتحرير الوَقتِ، وَأُوقَفَ عَلَى ذلك وقفًا، وَهُوَ باقٍ إلى الآن.

وفي هذه السنة وهي سنة سبع وتسعين وستمائة، فيها: راك الملك المنصور حُسام الدين لاجين البلاد المصريّة، وهو الروك الحُسَامي، وكان ابتداؤه في سادس جمادى الأول من السنة المذكورة، فشرعوا في عمل الأوراق، وكان المتكلم في كتب القوائم التاج الطويل.

فلما كانَ ثَامن رجب فرّقت المثالات وكانت الديار المصرية يومئذ مقسومة على أربعة وعشرين قيراطًا، منها أربع قراريط للسلطان والكلف والرواتب، وعشر قراريط للأمراء والإطلاقات، وعشر قراريط لأجناد الحلقة، فرسم السلطان للمباشرين بأن يكفوا الأمراء والأجناد بعشر قراريط، وزادوا الذين تشكُوا مِنْ ذلك قيراط، وبقي للسلطان ثلاثة عشر قيراطًا، وبقي العسكر ضعيف ليسَ لَهُ مَا يقوى به الفلاحين.

وكان الشاد على ذلك الأمير بهاء الدين المنصوري، والمتكلم الأمير منكوتمر النائب، فسار في الناس أقبح سيرة، وَصَارَ يُقابح الأمراء والجند أنحس مقابحة، ويُخَاشِنهُمْ في اللفظ، وكان الأمير منكوتمر من سيئات الملك المنصور لاجين، ولما عُزل الأمير قراسنقر المنصوري من النيابة، وتولى منكوتمر فشق ذلك على الأمراء والجند.

ثم إن منكوتمر النائب حسّن للملك المنصور لاجين بأن يمسك جماعة من الأمراء وهم الأمير أينبك الحموي، والأمير قراسنقر النائب، وجماعة غير ذلك من الأمراء.

فلما بلغ الأمير قفجق نائب الشام هُوَ وَالأمير بكتمر الأبوبكري، والأمير بُزْلار (١)، فلما هربوا توجهوا إلى القان غازان ملك التتار، وكان هذا سببًا للفتنة العظيمة التي وقعة، كما سيأتي ذكر ذلك في موضعه.


(١) في الأصل "نزلار"، والتصحيح من السلوك ٣/ ١/ ٣٨١ والنجوم الزاهرة ١١/ ١٧٥ وبدائع الزهور ١/ ٢/ ٢٥٧. وقد ورد بعد ذلك بهذه الصيغة الصحيحة.

<<  <   >  >>