للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثم إن العادل كُتبعًا أذعن (١) وَدَخَلَ تحت طاعة الملك المنصور لاجين، وقال: "هذا خُشدَاشي ومهما أراد يفعل [١/ ٢٩] فيا كنتُ رَاضيًا بذلك"، ثُم بعد أيام قلائل وصل الأمير قفجق المنصوري وقد استقر نائب دمشق، فلما وصل إلى دمشق نزل بدار السعادة، فأرسل العادل كُتبعًا إلى قفجق نائب الشام يطلب منه أن يعطيه نيابة صرخد، وَيُرتب لهُ مَا يُكفيه هُوَ وعياله، فأَجَابَهُ قفجق إلى ذلك، ثم إن العادل كُتبعًا توجّه إلى صرخد وَصُحبته مماليكه وهو في غاية العز والعظمة والاكرام.

فكانت مُدّة سلطنة الملك العادل كُتبعًا بالديار المصرية إلى أن خُلع نحو سنتين إلا شهرين، وأقام بصرخد إلى سنة تسع وتسعين وستمائة.

فلما عَادَ الملك الناصر محمد بن قلاون إلى السلطنة الثانية أنعم على كُتبعًا بنيابة حماه، لأنهُ كانَ من خَواصِ مماليك أبيه قلاون، وكان الملك الناصر يميل إلى كُتبغَا دُون مماليك أبيه، فأقام كُتبعًا بحماه إلى أنْ مَاتَ في يوم عيد النحر سنة اثنتين وسبعمائة، ودفن في حماه، ثُم نقل بعد ذلك إلى دمشق، ودفن بسفح جبل قاسيون، وَماتَ وَلهُ منَ العُمر نحو ستين سنة.

وكان كتبعًا رجلًا أسمر اللون، قصير القامة، أجرُود اللحية، وكانَ مَوصُوفًا بالشجاعة، وكان دينًا خيرًا سليم الباطن، ومن سلامة باطنهِ وَتَعْفُلَهِ الذِي جَعَلَ لاجين نائب السلطنة بمصر؛ حتى جرى عليه من لاجين ما جرى وخلعهُ مِنْ السلطنة، وتولى عُوضه، فكان كما يُقالُ في المعنى:

وَالخِلُّ كَالمَاء تُبْدِي لِي ضَمَائِرَهُ … مَعَ الصَّفَاءِ وَيَخْفِيْهَا مَعَ الكَدَرِ (٢)


(١) في الأصل "أدعن".
(٢) بحر البسيط؛ البيت لأبي العلاء المعري. (انظر: وفيات الأعيان ١/ ٤٥٠. كنز الدرر وجامع الغرر ٦/ ٦٠٠).

<<  <   >  >>