للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

ولما بطل الوجه الأول؛ لاتفاق المسلمين على أن أوامر الله تعالى لازمة للظالمين كلزومها لغيرهم، ثبت الوجه الآخر، وهو أنهم غير مؤتمنين على أوامر الله تعالى، وغير مقتدى بهم فيها، فلا يكونون أئمة في الدين، فثبت بدلالة الآية بطلان إمامة الفاسق» (١).

ويجاب:

كون الفاسق لا يكون إمامًا في الدين يقتدى به: أي ليس محلًا لأن يؤخذ منه الحلال والحرام، ولا يعني ذلك أنه لا تصح إمامته، ففعل الإمام في الصلاة لا يتجاوز فعل المنفرد كما بينت، فما صح من المنفرد صح من الإمام، وقد اختلف العلماء في تفسير الآية، وذكر ابن جرير أقوالًا مختلفة في تفسير الآية، أذكرها باختصار:

فمنهم من فسر العهد بالنبوة، فيكون المعنى: لا ينال النبوة أهل الظلم والشرك.

وقال آخرون: عهده أمره، فلا يكون إمامًا في الدين من كان ظالمًا، وهذا يعني أنه قد يكون إمامًا في أمور الدنيا كما يقال: عن الحجاج الثقفي إمام، وأما إمامة الدين فهي خاصة بأوليائه، كإمامة أحمد ومالك والثوري.

قال عطاء: أبى الله أن يجعل من ذريته ظالمًا إماما. قلت لعطاء: ما عهده؟ قال: أمره.

وقال ابن عباس قال، ليس لظالم عهد.

وقال قتادة معنى الآية لا ينال أماني أعدائي، وأهل الظلم لعبادي. أي: لا ينال عهد الله في الآخرة الظالمون، فأما في الدنيا فقد ناله الظالم، وأكل به وعاش.

وقيل: هذا خبر، فقوله: ﴿لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ﴾ أي: ليس كل ذريتك يا إبراهيم على الحق، فهو إعلام من الله تعالى ذكره لإبراهيم: أن من ولده من يشرك به، ويجور عن قصد السبيل، ويظلم نفسه وعباده، كما قال تعالى: ﴿وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ﴾.

ذكر هذه الأقوال ابن جرير الطبري في تفسيره، وكلها تحتملها الآية، والله أعلم، ولا تعرض لها لإمامة الصلاة (٢).


(١) تفسير الرازي (٤/ ٣٩).
(٢) تفسير الطبري، ط دار التربية والتراث (٢/ ٢٠) وما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>