منهي عن بيعه، وإنما جاز بيعه تبعًا لغيره، وكذلك المال الذي في حوزة العبد قد يكون ذهبًا، وثمن العبد قد يكون ذهبًا أيضًا، فأجاز النبي ﷺ للمشتري أن يشترط المال دون مراعاة لقواعد الصرف، وإنما جاز ذلك؛ لأنه تابع غير مقصود، ولا يجوز بيع الحمل في البطن للجهالة، ويجوز بيع الحيوان الحامل تبعًا، ولو كان الحمل له ثمن مقصود.
فكذلك المعاوضة على الأذان والصلاة معًا جار على هذه القاعدة والتي دلت عليها نصوص الشريعة، والله أعلم.
دليل من قال: تجوز المعاوضة على الإمامة للضرورة أو الحاجة:
الأصل أن هذه الأعمال لا تجوز الإجارة عليها، وأدلتهم فيها أدلة القائلين بعدم الجواز، وسبق ذكر أدلتهم.
وأما دليل الجواز للضرورة والحاجة:
فمعلوم من قواعد الشريعة أن الضرورات تبيح المحظورات، فلا محرم مع الضرورة، قال تعالى: ﴿وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ﴾. [الأنعام: ١١٩]
فإذا كانت هذه المحرمات التي فصَّل الله تحريمها إذا اضطر الإنسان إليها وألجأته الضرورة إليها كانت حلالا عليه، فما بالك بأمر تحريمه ليس بيِّنًا.
وأما دليل الجواز مع الحاجة، وهي أخف من الضرورة؛ فلأن الحاجة العامة تنزل منزلة الضرورة الخاصة (١).
وكان المتقدمون من أصحاب أبي حنيفة منعوا أخذ الأجر على تعليم القرآن والأذان والإمامة ونحوها؛ لأن هؤلاء قديمًا كانت لهم عطايا ومكافآت في بيت المال من غير شرط، وهذا الزمان قَلَّ ذلك، واشتغل هؤلاء بمعائشهم، حتى ظهر التواني في القيام بالأمور الدينية، وضعفت همة النَّاس في الاحتساب، فلو امتنع الجواز لتعطلت المساجد، وضيعت صلاة الجماعة، وضيع تحفيظ القرآن وتعليمه لأولاد المسلمين، وهذا فيه ضرر كبير، فكان الجواز من قبيل دفع ضرورة الناس.