بما رحبت، سمعت صوت صارخ، أوفى على جبل سلع، بأعلى صوته: يا كعب بن مالك أبشر، قال: فخررت ساجدًا (١).
وجه الاستدلال:
إذا ثبت فعله عن كعب بن مالك دل ذلك على إباحته، ولم نقل باستحبابه، وقد تركه من هو أفضل من كعب، وهو النبي ﷺ، كما تركه من هو أعلم منه، كالخلفاء الراشدين أبي بكر، وعمر، وعثمان، وفقهاء الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين.
وهذا القول وسط بين القائلين بالاستحباب، وأدلتهم ضعيفة، وبين القائلين بعدم المشروعية، وقد فعله كعب بن مالك، والله أعلم، وبعض العبادات قد تحكم عليها بالإباحة من جهة جواز العمل، ولا تكون مستحبة؛ لكون النبي ﷺ لم يعملها، كما في قصة الرجل الذي كان يختم قراءته بسورة الإخلاص، ففعله مباح لإقرار الرسول ﷺ، ولا يكون مندوبًا؛ لكون النبي ﷺ أكمل منه محبة لصفة الرحمن، ولم ينقل أنه كان يعمل ذلك، ولا أنه حث على الفعل، وسجدة الشكر من هذا الجنس من العبادات، إعمالًا لأدلة القائلين بالاستحباب، وعدم تجاهل حجج المانعين، والله أعلم.
• الراجح:
القول بكراهة سجود الشكر أو تحريمه قول ضعيف، وهو متردد بين الاستحباب والإباحة، ولعل القول بالإباحة أظهر؛ لأن أكثر الأدلة المستدل بها على سجود الشكر لا تصح، وأكثرها غير صالح للاعتبار، والأحاديث الصالحة للاحتجاج قليلة جدًّا، وترك السجود مع دواعي الفعل أكثر من أن يحصى، وأظهرها فتح مكة، والنصر في بدر، وهزيمة الأحزاب، وفتح خيبر، وقائع أحدثت تحولات مصيريه في مستقبل الأمة، ولو كان سجود الشكر مطلوبًا لما غفل عنه الصحابة في هذه الأحداث العظيمة، وهذا في الشأن العام، وأما الشأن الخاص فهو يكاد يتكرر في غالب الأيام، كالبشارة الواردة في حق بعض الصحابة من البشارة بالجنة