الصلاة يسير، والمسلم لا يأتي إلى صلاته إلا وقد فرغ من حاجته، ولهذا نهى الشارع الرجل أن يصلي بحضرة طعام، وتنكير الطعام يدل على العموم، وكان بعض الصحابة إذا قدم العشاء وأقيمت الصلاة بدأ بالعشاء، لمنافاة أحدهما للآخر.
الوجه الثاني:
ليس كل يسير محلًّا للعفو، فهناك من اليسير ما لا يقبل العفو، من ذلك:
لا يجوز أن تتقدم الصلاة على وقتها ولو بزمن يسير، ولو فعل لم تصح فرضًا.
وقد قال الرسول ﷺ في الحديث الصحيح: ويل للأعقاب من النار، وهو مقدار يسير بالنسبة لأعضاء الوضوء.
وقال ﷺ في الربا: من زاد أو استزاد فقد أربى، فلم يعف الشارع عن يسير الربا.
ولا يعفى عن يسير البول إذا خرج في نقض الطهارة والغائط من باب أولى، فالمرد في العفو عن اليسير إما إلى نصوص الشارع، وإما إلى مشقة التحرز.
الوجه الثالث:
الصلاة أعظم ركن عملي في الإسلام، وهي عموده، وأول ما يحاسب عنه العبد، والاهتمام بها وصيانتها عن المفسدات من أجل الواجبات، فإذا ثبت تحريم الأكل والشرب في الصلاة، فإن استثناء القليل من الكثير ينبغي أن يكون مرده إلى النصوص، لا إلى مجرد القياس، فإن قياس الأكل والشرب على ما ورد فيه العفو ليس بأولى من قياسهما على ما لم يرد فيه العفو مما ذكرنا، ومنافاة الأكل والشرب للصلاة منافاة جلية بخلاف الحركة، فإن جنس الحركة مشروع في الجملة بخلاف الأكل والشرب والقهقهة، فإن هذه موغلة في منافاة الصلاة، ومن نظر إلى أصحابها لا يشك أنهم ليسوا في صلاة.
• دليل من قال: يسير الأكل عمدًا يبطل الفرض دون النفل:
الدليل الأول:
(ث-٦٠٢) روى أبو القاسم البغوي في الجعديات، حدثنا علي -يعني: ابن الجعد- أخبرنا شعبة، عن منصور بن زاذان،