للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

وتشابه الأسماء لا يغير الحقائق، ولذلك يسمى المحراب عند الفقهاء ب (الطاق)، وهو لا يشبه محاريب النصارى.

ولقد طلبت من بعض الإخوة أن يسأل دعاة مختلفين، من أفريقيا، ومن البرازيل ومن المكسيك ممن يدخل الكنائس، ويجادل أهلها، وكانت إفادتهم بأنه لا توجد في كنائسهم محاريب، وصور لي هذا الصديق الشامي المقيم في تركيا مسجدًا كان أصله كنيسة أثرية بنيت من الصخور الكبيرة عمرها يعود لأكثر من ألف سنة، فلم يعثر فيها على محراب إلا ما أحدثه المسلمون بعد تحويلها إلى مسجد، ومن مشاهدة صورة المحراب تعرف أنه عصري لا ينتمي إلى تاريخ بناء المكان.

فهذا الافتراض الأول: أن يكون إطلاق المحاريب من جهة اللغة، لا من جهة التوافق على الشكل.

الافتراض الثاني: أن تكون هذه المحاريب تشبه محاريب المسلمين في شكل البناء، فإن مكان القس في المحراب مرتفع جدًّا عن بقية المصلين بخلاف محاريب المسلمين فإنها مستوية ليست مرتفعة، فلماذا نرى فقط وجه الشبه، ولا نرى وجه الاختلاف بينها وبين محاريب المسلمين، فوجود فروق بينها يجعل علة الشبه ضعيفة، قال ابن نجيم في البحر الرائق: « .... على أن أهل الكتاب إنما يخصون الإمام بالمكان المرتفع على ما قيل، فلا تشبه» (١).

الافتراض الثالث: أن يكون الشبه مطابقًا من كل وجه، وهذا نفرضه جدلًا، فالتشبه المنهي عنه هو ما أحدثه أهل الكتاب، لا ما شرعه رسلهم، ولهذا الأصوليون يدخلون في الأدلة المختلف فيها: شرع من قبلنا إذا لم يرد في شرعنا ما يخالفه، ولم يدخلوه في حكم التشبه، فالأصح أن ما شرعه الرسل فهو شريعة لنا إلا أن يأتي في ديننا ما ينسخه، ولقد استقبل نبينا بيت المقدس حتى نسخ ذلك إلى استقبال الكعبة، فهل يعتبر ترك النبي لبناء المحراب في مسجده هل يعد ذلك نسخًا، أو يقال: إن بناء المحراب، يدخل في شكل المسجد، وشكله من المباحات، وليس من العبادات، ولم يكن هناك حاجة في عصر الوحي إلى بناء


(١) البحر الرائق (٢/ ٢٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>